أكشنها..!!
أخطر ما في منشورات وأخبار الولايات ذات الأزمات المعقدة أسلوب النشر والترويج القائم على الدس والغرض وعدم حسن النية. والغريب في هذا أن صحفاً مقرها الخرطوم تنتظر الخبر اليقين من دارفور أو بورتسودان أو الجزيرة، ربما نقلاً عن صحف إلكترونية خارجية مقرها في نيروبي أو برلين! رغم أن الضعين أو طوكر أقرب للخرطوم من تلك العواصم التي فيها غرف التحرير المريبة! وأقرب الأمثلة ما تناقل عن احتجاز إحد القبائل بدارفور لقطار في طريقه لمدينة نيالا عند مروره بمدينة الضعين بزعم أن القطار يحمل أسلحة لنصرة قبيلة! وقد رسم الرواة صوراً وأفعال (أكشن) كثيفة حول الحادثة وجعلوا لها متوناً وحواشي صوروا فيها وكأن الأمر تغييب متعمد لهيبة الدولة والقوات النظامية، رغم أن الأخيرة كانت هي الجهة التي أشرفت على عملية تفتيش حسب معلومات ما لم تسفر عن شيء، ومضى القطار إلى سبيله وانتهت المسألة.
خبر آخر ملحق بذات القصة تحدث عن اشتباكات إثر عملية فزع وكل الأمر أن عملية سرقة قد وقعت أو شيئاً من هذا، وتتبع أهل الحق طلبتهم وطاردوا الجناة المحتملين، ولكن ما لم يذكره الخبر أنه في نقطة ما فصلت القوات النظامية ضمن إجراءات وتدابير بين القبائل المتشاكسة وتدخلت وردت الفزع على أن تقوم هي– أي القوات– بتتبع أثر الجناة وإن وجدت مطلوبات القوم ردتها إليهم وانتهى الأمر.. وهكذا يأتي التساؤل والاستفسار عن المنهجية المضطربة في تصوير أي حادث صغر أم كبر وكأنه مقتلة عظيمة حتى يشعر المواطن أن بعض أجزاء هذا السودان قد صارت دويلات تحكمها القبائل وقوة السلاح، وهذا غير صحيح وتحقير لمؤسسات عظيمة لها احترامها ودورها ولا تزال حاكمة وتضبط الصائل والخارج على القانون ولها كلمتها وصوتها مسموع!
وأعتقد، والله أعلم، أن على وزارة الإعلام أو الجهات التي يهمها الأمر معالجة بعض أوجه القصور في الإعلام الولائي.. كان يمكن بقليل اجتهاد إظهار حقائق تلك الأحداث، ولكن المشكلة أن الإعلام في الولايات يديره عادة الولاة، ومن هم دونهم، وزراء أو موظفون أشخاص لا حول لهم ولا قوة، ومثل هذا الوضع ينتج عنه في العادة شيوع أسلوب تسلل الشائعات فتنتقل القصة من بلد لآخر، ومن محلية لأخرى، كل انتقالة تضيف معها وإليها ما تيسر من الإضافات والخبزعلات فيصل الأمر إلى الخرطوم ميتة وخراب ديار.. وقبل هذا وبعده دك حصون الثقة بين الناس والمؤسسات.
مثلما صارت الوسائط وتطورات الإعلام الجديد سبباً في تمدد حجم الشائعات والأخبار المفبركة، فإنها كذلك وسيط قوي ومؤثر ونشط لنقل الحقيقة، والولايات عادة لا تزال كلها فاشلة في توظيف هذه الثورة لصالح متابعة الأحداث فيها لا بغرض تجيير الوقائع ولكن فقط وفي الحد الأدنى نقل الحقيقة كما هي، وليكن الحكم للجمهور.