الثورية ومؤتمر جمع المعارضة.. الزحف نحو سوح الحوار
تقرير – عقيل أحمد ناعم
هي قفزات متتالية أضحى يشهدها مسرح الحوار الوطني الذي بدا مؤخراً يعيش حالة أقرب لتحول الجميع فيه إلى متفرجين، إذ إن غالب (الأكشن) أصبح يصدر من خارج خشبة المسرح الداخلي، فبعد أن كان السودانيون يمنون النفس لأول مرة بفعل سوداني خالص لا تعتوره أيادي الخارج أو يطل من خلف الحدود، أبت رياح عجزهم عن التراضي على (منتوج داخلي) إلا أن تمهد للأيادي الخارجية، بل وللأراضي الخارجية مسارب وسبل الإحاطة بجنين الحوار لتمنعه من التخلق داخل رحم الأرض السودانية. فبعد أن تأكد إمساك مسؤول الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثابو أمبيكي” بملف الحوار الوطني على غير ما كان متوقعاً، ها هي بالأمس الجبهة الثورية على لسان “ياسر عرمان” تعلن من جنوب أفريقيا عزمها الترتيب لعقد مؤتمر جامع لقوى المعارضة لتوحيد رؤاها السياسية قبل المشاركة في مؤتمر الحوار الذي دعا له الرئيس “البشير”.
{ تكشف نوايا المشاركة
وإن كان اتجاه الجبهة الثورية لعقد مؤتمر يجمع المعارضة المدنية مع العسكرية لا تخفى فيه التأثيرات الخارجية، نسبة لاعتماد الثورية وتنسيقها بشكل أساسي مع القوى الخارجية دولياً وإقليمياً، إلا أن الناظر لتصريحات “عرمان” التي حملت الإعلان عن اتجاه الثورية لعقد المؤتمر الذي يجمع المسلحين مع الأحزاب المعارضة، وتحديده هدفاً رئيسياً من المؤتمر متمثلاً في الرغبة في توحيد رؤى المعارضة مع الجبهة في برنامج سياسي موحد يدخلون به أروقة الحوار الوطني، يؤكد بما لا يغشاه الشك أن الحركات المسلحة حزمت أمرها على المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس “البشير” مفتتح العام الحالي، وهو بالتأكيد تطور موجب، بتزحزح الثورية عن مواقفها المتصلبة في رفض (حوار الوثبة)، وهنا لا يخفي التأثير الدولي والإقليمي على مواقف الحركات المسلحة.
{ تحالف المعارضة والتحفظ على طريقة الثورية
قد لا يخفى على المراقب حالة عدم الرضا التي بدأت تنتاب تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض تجاه الثورية في أعقاب توقيعها (إعلان باريس) مع رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي”، لتُضاف إليها الآن منقصة إطلاع قادة المعارضة على عزم الثورية عقد مؤتمر يجمعها مع المعارضة الداخلية عبر الصحف، وهذا ما أكده القيادي بالحزب الشيوعي والمسؤول السياسي للتحالف “صديق يوسف” لـ(المجهر) بقوله: (مافي زول من الجبهة الثورية اتصل علينا أو شاورنا.. نحن سمعنا بموضوع المؤتمر في الجرايد)، ونبه إلى أن خطوة بهذه الأهمية تحتاج إلى ترتيبات تقتضي أن تتصل الثورية بالتحالف والأحزاب ومخاطبتها كتابةً لطلب رأيهم حول الأمر. لكن بالمقابل دافع الحليف الجديد للثورية حزب الأمة القومي ممثلاً في نائب رئيسه “محمد عبد الله الدومة” عن موقف حليفته، بقوله في تصريح لـ(المجهر): (ما طرحه عرمان ليس دعوة للمعارضة.. هذا مجرد إعلان وأفكار عن المؤتمر.. لكن الدعوة تتم بصورة رسمية لأنه ليس من حق جهة التقرير نيابة عن الآخرين). إلا أن “صديق يوسف” عاد ليؤكد أن المعارضة لا تتحفظ على مغزى وهدف المؤتمر المتمثل في توحيد رؤى قوى المعارضة بشقيها المدنية والمسلحة تجاه عملية الحوار، وقال: (الهدف جيد جداً ويتماشى مع أهدافنا في ضرورة توحيد الأحزاب والقوى السياسية)، لكنه أضاف: (لكن الترتيبات ما بتتعمل بالطريقة دي).
بالمقابل نصح “الدومة” الحكومة بعدم إعاقة عقد المؤتمر، عادّاً أنه يشكل خطوة حقيقية وجادة لمعالجة أزمات البلاد بما أحدثه إعلان باريس من اختراق فعلي جعل الثورية تتبنى رؤية الحوار كحل وليس السلاح.
{ الحركات والاستناد إلى حائط (2046)
وعند توجيهي سؤالاً مباشراً للباشمهندس “صديق يوسف” حول مدى تأكيد اتجاه الثورية لعقد المؤتمر بأنها قد قررت أن تيمم وجهها شطر الحوار الوطني الذي دعت له الحكومة السودانية، لم ينف الرجل، لكنه لفت إلى أن الحركات وضعها يختلف عن وضع الأحزاب بالداخل وقال: (هم قبلوا بالقرار الدولي 2046 الذي يلزمهم بالتفاوض مع الحكومة)، وأشار إلى أن الحركة الشعبية تتحدث عن أنها ترغب في توسيع مشاركة القوى السودانية في الحوار حول مشاكل السودان المختلفة. ذات الطريق مضى فيه المحلل السياسي المهتم بالشأن الدارفوري د. “آدم محمد أحمد” الذي أوضح في تصريح لـ(المجهر) أن مفهوم الحوار الذي ستشارك فيه الجبهة الثورية يختلف عن منطوق الحوار الوطني الذي دعا له البشير، وقال: (مفهوم الحوار هنا يختلف، فالأمر ينحصر في حوار خارجي وهو يعني تفاوضاً خاضعاً للتدويل).
{ حوار تحت المظلة الدولية
منذ أن تمددت أصابع الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” متجاوزة ملفاته السابقة المتمثلة في العلاقة بين السودان وجنوب السودان، وقضايا مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق، لتمسك بخيوط نسيج الحوار الوطني المتشابكة، بدا واضحاً أن السودان لن يكتسي ثوب الحوار بين فرقائه إلا عبر آلات وأدوات الحياكة الدولية والإقليمية، وهذا ما أكده د. “آدم محمد أحمد” بأن البرنامج الرئيسي للاتحاد الأفريقي وآليته الرفيعة حالياً هو جمع أطراف الحوار السوداني في تفاوض جامع برعاية إقليمية ومباركة دولية، وقال: (وهذا يقتضي أن توحد الجبهة الثورية والأحزاب المعارضة كلمتها وبرنامجها للدخول في حوار شامل).
{ النظام وعقبة تجزئة الحلول
كل النوايا الحسنة التي تدعو لتجميع قضايا السودان وطرحها في طاولة واحدة، تنحصر في تحميل تجزئة القضايا وتجزئة الحلول مسؤولية الفشل في إنهاء حالة التأزم المستدام التي تعيشها البلاد. ولفت د. “آدم” إلى أن الجبهة الثورية وخاصة الحركة الشعبية تتبنى الرؤية القائلة بضرورة تجاوز تجزئة القضايا والحلول. لكن يظل تجاوز هذه العقبة مرهوناً بموقف النظام منها، وهو الذي يعلن مراراً رفضه الجمع بين قضايا المنطقتين وقضية دارفور في طاولة واحدة مع القضايا القومية المتعلقة بالشأن السياسي والاقتصادي العام. إلا أن د. “آدم” توصل إلى قراءة بأن الحكومة وافقت من حيث المبدأ على طرح القضايا السودانية كافة في طاولة واحدة، رجّح أن تكون خارج السودان، وأشار إلى أن رفع “ثابو أمبيكي” ملف الحوار الوطني إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن الدولي يعبر عن تلقيه ضوءاً أخضر من النظام السوداني.