الذهب للجميع
نعمة الذهب المتناثر فوق الديار والأراضي السودانية شرقاً وغرباً وشمالاً من المهم التعامل معها بمنهجية تجعله إضافة قوية ومؤثرة للاقتصاد الوطني، فالذهب عالمياً لا يزال محتفظاً بتأثيراته على المتغيرات الاقتصادية كما أن له دوره في النظام النقدي العالمي، فضلاً عن ما يمكن وصفه حسب الخبراء بقلة المخاطر في استثماراته، مما جعله الكتلة الأهم في تعريف وتمييز اقتصاديات الدول من حيث الاحتياطات. وقد أنعم الله على السودان بهذه الثروة التي من حيث معدلات الإنتاج النظامي أو التعدين الأهلي تؤكد نسبها وأرقامها أن ثروة ودفعاً اقتصادياً قد يغير معادلات القوة والضعف في اقتصاديات البلاد وبشكل كامل مما يستوجب الإحاطة بكامل الدقة في طريقة استيعاب هذا التطور على المداخيل عموماً. حق للسودانيين حكومة وشعباً الشعور بالإشفاق والقلق من مآلات مستقبلهم ونعمة الذهب التي خص الله بها بلادنا كتدبير قدير مقتدر عوضاً عن نعمة النفط، حيث صار المعدن النفيس والغالي فوق الأرض وعليها منحة وهبة للجميع و(بديلاً نقدياً) حسن اقتصاديات البعض ورفع من معنويات اقتصادنا المنهك بالإجراءات والتدابير. ولو أننا تحلينا بقليل صبر وحسن ثقة فإنا لابد بالغون حد الأمان بهذا المعدن، مع أهمية وضرورة أن يسند بقطاعات أخرى بحيث لا تتكرر تجربتنا والبترول حين نام الجميع في طمأنينة وهم يتوسدون براميل الغار الأسود قبل أن يصبح الصباح ويسفر عن الانفصال وتبعاته، ولن يكون الطريق سالكاً لاغتنام واكتناز الذهب، فالمتتبع لسيرة منتجه ببلادنا يلحظ بروز نزاعات أهلية حول مناجم التنقيب، وصحيح أن هذه النزاعات ليست بالكثافة التي تتناسب والمساحات الواعدة، لكن جنوح هذا القليل إلى العنف والعنف الفظ مسألة من اللازم الوقوف عليها والتدقيق فيها، فهي عرض لمرض لن تعجل بالعافية منه إقامة شرطة للتعدين أو تقلل من آثاره الطاقات الهائلة– ما شاء الله– للشباب الخلص بوزارة المعادن أو جمهرة المعدنين في كل صقع بالبلاد ممن أجرى الله على يديهم الخير والحماسة الوافرة.
إن هذه الثروة قومية وللجميع، ويجب معها ألا تتعرض جهود التطوير والتوسع فيها إلى عقبات تقسيم الديار إلى حواكير وأراض حكر، بمنطق هذه لنا وتلك لآبائنا، ليتحول هذا السودان بخيره الذي يجب أن يشمل الجميع مساحات للمحاصصة والاحتكارات، وهذا اتجاه يجب أن يواجه بالحسم. وهنا أقول إن التفلتات التي تحدث في نطاق التعدين وتلك التي تبرز حين كل ظهور لثروة شمالاً أو غرباً السبب الرئيس فيها ضعف الحكومات المحلية والمعتمدين الذين يقعون طوعاً أو كرهاً تحت ضغوط القوى المجتمعية الأهلية القابضة في القواعد، وقد يتمدد هذا الضعف ليطال أعلى سلطة محلية وتمثله الولاية في الإقليم المعين والبلد المحدد، فهناك تبقى دائماً مساحات مريحة لتقديرات تجنب مواجهة زيد من الناس لأنه يتوسط رهطاً من القوم أو لكونه عظيم القوم، فلا يملك البعض إلا تنصيب أنفسهم ملاكاً لما فوق الأرض وتحتها.