شهادتي لله

قواعد (الإنجليز) . . أم ثقافتنا ؟!

‭}‬ تميز الرعيل الأول من قادة الخدمة المدنية في السودان، (جيل السودنة) والذي يليه، بقدر عالٍ من الانضباط والدقة والأمانة والاهتمام بالمظهر.
‭}‬ لو بحثت في ألبوم صور والدك أو عمك أو جدك – إذا كانوا من (الأفندية) – ستجد أنهم كانوا يحرصون على ارتداء البدل الكاملة  مع ربطة العنق.
‭}‬ ولو نقبت في سيرهم، ستعلم أنهم كانوا لا يكذبون، ولا يرتشون، ولا يمثل المال غاية في حياتهم.
‭}‬ وانتقل غالب (كبار) موظفي ذلك الزمان الوضيء بمن فيهم وزراء وسفراء وقضاة وقيادات عسكرية وشرطية إلى الرفيق الأعلى، قبل أن يمتلكوا بيوتاً، فيلات وسرايات ومزارع وشققاً في العواصم العربية والأجنبية على طريقة (كبار) و (صغار) موظفي هذا الزمان الأغبر!!
‭}‬ مات الرئيس “إسماعيل الأزهري”وهو(مديون) بعد أن بنى له تجار (الاتحاديين) بيته، ومن بينهم والد الوزير الحالي بروفيسور”مأمون” المرحوم  “محمد علي حميدة ” الذي كان أحد رموز وأثرياء مدينة “سنار”!!
‭}‬ ومات الرئيس الأسبق “جعفر نميري”، اختلفنا أو اتفقنا معه، في بيت أهله المتواضع بشارع  (ود البصير) بحي ودنوباوي العريق بأم درمان!! وكذا حال معظم أعضاء مجلس قيادة ثورة (مايو). وقد حدثتني قبل سنوات البروفيسور “فاطمة عبد المحمود” الوزيرة الشهيرة في عهد “النميري” أن الرئيس “جعفر” أقال أحد كبار (حكام) الأقاليم – أتحفظ على اسمه – لأنه قدم (عنباً) و (تفاحاً) للمدعوين في حفل زواج كريمته ما أغضب (أب عاج) فأحاله للتقاعد بعد أيام من المناسبة، كما أعفى وزيراً جهيراً آخر مباشرة بعد أن علم أنه بنى (حوض سباحة) في داره بالخرطوم!!
‭}‬ ورغم ما تداوله البعض عن (بزنس) و(عمولات) وزير شؤون الرئاسة الأشهر المغفور له الدكتور “بهاء الدين محمد إدريس”، إلا أن العبرة عندنا بالنهايات وبما رآه وما عرفه الناس، فقد مات “بهاء الدين” في غرفة باردة في “لندن”، غادر فقيراً لا يملك أطياناً ولا عمارات ولا قطع أراضٍ في الرياض والطائف والمجاهدين، مثلما يمتلك الآن غمار الساسة والنكرات من رجال الأعمال الذين لا نعرف لهم مصانع ولا مشاغل ولا زراعة ولا توكيلات فمن أين لهم هذا ؟!!
‭}‬ لكن شهادتي على طهارة أيدي “جعفر نميري” وصحبه، لا تجعلني استعجب أن يكون سعادة (المشير) و(الكشاف) الأعظم قد اشتبك مع أحد وزرائه أو موظفيه يوما ما، فأخذ بتلابيبه، أو صفعه، كما أورد صديقنا الدبلوماسي الشاب والكاتب “خالد موسى” نقلاً عن الهرم الإعلامي أستاذنا “حسن عبد الوهاب” ما أثار حفيظة حبيبنا الكاتب “مصطفى البطل” والسفير المخضرم د.”حسن عابدين”. ولا أدري علام المساجلات، فالعنف والتخاشن من طباع الرئيس الراحل و(ما داسيها)، وقد تمظهر ذلك منذ أن كان رياضياً نجماً وكابتناً في منتخب مدرسة “حنتوب” الثانوية لكرة القدم، وحتى قبيل وفاته بسنوات قليلة وهو يرفض الاعتذار ولا يستشعر تأنيباً للضمير على إعدام قادة حركة (19) يوليو 1971. “نميري” – غفر الله له – قالها في التلفزيون: (نعم علقناهم في المشانق . . زي الشرموط)!!
‭}‬ والذي يعلق في المشانق زي الشرموط، ثم لا تنتابه حسرة ولا تسقط عليه دمعة،  ولا يضايقه أسف، ليس غريباً عليه أن يستخدم كفه ذات غضبة لزجر أحدهم. وأنا أصدق “حسن عبد الوهاب” فلم يعرف عنه كذب ولا هو في عمر وصحة تسمحان له بتلفيق قصص على رئيس مضى، و”حسن” الآن موجود بألمانيا لأكثر من ثلاثين عاماً جراء إصابته بفشل كلوي خلال رحلة رسمية لأجل الوطن مرافقاً لذات الرئيس الراحل!!
‭}‬ وأعود لموضوعي، وأسأل هل كان الرعيل الأول من موظفي الخدمة المدنية في السودان، أطهاراً وزهاداً، محترمين ومجودين بفضل  قواعد  ومرجعيات (الإنجليز) وثقافتهم في العمل التي غرسوها في تربة تلاميذهم النجباء من جيل الاستقلال والسودنة ؟ أم كان ذلك تشرباً من ديننا وثقافتنا الإسلامية والعربية (من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل)، (هلا جلس أحدكم في بيت أبيه وأمه، فينظر هل يهدى له أم لا..) ؟
‭}‬ الراجح عندي أنها ثقافة وقواعد (الإنجليز)، فلم تتنزل بعد في مؤسسات العمل عندنا وفي المجتمعات العربية من حولنا، رسائل الإسلام كما ينبغي.. فكرة ومنهجاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية