استراحة (الجمعة)
في أسفاري وترحالي تجدني مغرماً جداً بالجلوس في المقاهي الشعبية وخاصة عند زيارة مصر الحبيبة للقلب رغم جراح “حلايب” و”شلاتين”.. والاستعلاء المصري والاستهبال أحياناً.. في وسط “القاهرة” يطيب لي الجلوس في المقاهي الصغيرة من خلالها تتعرف على قضايا الناس وآلامهم وأحلامهم.. ونحن في وطننا محرومون من متعة المقاهي إلا في مناطق محدودة جداً كسوق الناقة في غرب “أم درمان”.. وعند زيارتي لمدينة “الرباط” المغربية قبل سنوات.. حرصت على ثلاثة أشياء زيارة مكتبة “سيدي الحسن” في وسط المدينة.. ولقاء السفير والوزير المثقف “بن عيسى” أحد أشهر وزراء الخارجية العرب والذي وظف علاقات المغرب لصالح الثقافة والآداب والفنون، فجعل من قريته (أصيلة) مقراً لمهرجان سنوي هناك.. وزرت الحمامات المغربية في بلاط الملك.. وأخذنا إلى سوق الناقة الواقع شمال غرب”الرباط” الملحق العسكري حينذاك “الجعلي”.. نفس الملامح والشبه وطريقة الشواء على الفحم للحوم الضأن والماعز والإبل.. ولكن هناك يقيم المغاربة معرضاً فلكلورياً لثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم.. يغني المطربون كل بطريقته.. وحينما تجولنا مع أخي وأستاذي “محي الدين تيتاوي” في مقاهي مدينة “طنجة” الساحلية كانت صورة ومشاهد رواية الكاتب “محمد شكري” (الخبز الحافي) حاضرة بشخوصها في مخيلتي.. حتى الكلمات الجارحة لحياء الكبار في السن من أمثالنا والمحببة لجيل العشرينيات أخذت موسيقى حروفها تدندن في أذني.. ولكن في فندق أقمنا به لساعات نحن أعضاء اتحاد الصحافيين العرب سألنا عن (القبلة) لأداء صلاة الظهر.. فلم نجد من يدلنا عليها.. مغاربة عرب لا يعرفون شيئاً عن القبلة وزوار أجانب شغلتهم ملاهي المدينة وخمورها عن ما عداها.. ولكن لحظة أن قررنا أداء الصلاة اختار “تيتاوي” قبلة افتراضية.. ولفت منظر الرجال السود الذين يسجدون على الأرض أنظار بعض السياح فأخذوا كاميراتهم والتقطوا لنا صوراً.. للذكرى والتاريخ.. وفي مدينة “أديس أبابا” الجميلة هناك المطعم السوداني الذي يقدم وجبات سودانية شهية.. ومطعم الخرطوم.. إلا أن هناك مطاعم مثل التركي بالقرب من فندق رجل المريخ “عادل أبو جريشة” المسمى بفندق الصداقة.. التركي الذي يدير المقهى الذي يرتاده الأتراك والعرب الخليجيون وقليل من الصوماليين وكثيراً من الفتيات والفتيان في الليل، حدثني صاحبه عن رغبته في الاستثمار بالخرطوم ولكنه تعرض لعملية احتيال من قبل أحد السودانيين قبل عام جعله يصرف النظر عن الاستثمار في السودان.. والأتراك لهم مقاهي ومطاعم في فرنسا وهولندا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن لم يصحبه الأخ الأستاذ “كمال حسن بخيت” في رحلة خارجية فليبحث عن “كمال” الذي تدهشك ثقافته العميقة وذكرياته في بغداد ودمشق والبصرة والموصل.. في إحدى الزيارات إلى العراق في عهد “صدام حسين” ومع وطأة الحصار كان خيار الوصول إلى بغداد براً من الأردن.. “كمال” يختار أشهى الأطباق من اللحوم والحلويات ويجادل أصحاب المقاهي في طريق طويل وشاق وموحش من مدينة”الزرقاء” في الأردن مروراً بمعبر طربيل وحتى “بغداد”.. حينما تتوقف السيارة يدهشك “كمال حسن بخيت” بكرمه وعلاقاته مع الناس.. ومعرفته بثقافات بلاد الشام.. رد الله غربة “بغداد” من أسر الأجانب وبث الطمأنينة في ربوع العراق وجمعة مباركة.