تقارير

وخرجت (مريم المنصورة) وفرح الأنصار.. فمتى يفرح الوطن؟؟

 أم درمان- عقيل أحمد ناعم
تصوير – محمد عبد الله التركي
بعيون غائرةٍ متعبة، ووجه شاحب، ارتسمت عليه آثار التسعة وعشرين يوماً التي قضتها بين معتقلات جهاز الأمن وسجن النساء بأم درمان، أطلت (المنصورة) “مريم الصادق” داخل ردهات دار حزبها بأم درمان بعد إحدى عشرة ساعة من إطلاق سراحها، ظهرت على غير عادتها في اللباس الذي اعتاد الناس رؤيتها فيه وهو الثوب السوداني، فقد جاءت مرتدية نوعية الملابس التي ترتديها غالب الشابات (إسكيرت وبلوزة). وكما هو متوقع في مثل هذه المواقف احتشدت دار الأمة بالأنصار من الرجال النساء الذين استقبلوها لحظة دخولها القاعة المخصصة للمؤتمر الصحفي الذي تمت الدعوة له على عجل، بالتكبير والزغاريد. وهو المؤتمر الذي خُصص لتروي من خلاله (المنصورة)- كما يحلو لمنسوبي حزبها مناداتها- تفاصيل معاناة الاعتقال وما خرجت به من عبر وعظات، يبدو أنها جعلتها أكثر تمسكاً بمواقفها التي ألقت بها في غيابة السجن.
{ خروج المنصورة وانتخابات الصحفيين
رغم أن المؤتمر الصحفي تلقى الصحفيون الدعوة له على عجل، إلا أن القاعة الفسيحة المعدة للمؤتمرات بدار الأمة كانت تغص بأعداد كبيرة من الصحفيين وكاميرات القنوات الفضائية عند وبُعيد الثانية عشرة منتصف نهار الأمس (الثلاثاء)، رغم أن هذا التوقيت صادف ما (يُفترض) أنه عرس الصحافة السودانية واقتران مصيرها بانتخاب اتحاد جديد عليه قيادة دفة الصحافة، لكن يبدو أن غالب الصحفيين العاملين بالصحف زاهدين في شهود ذاك العرس المفترض، وهذا ما دفع بأحد الصحفيين فور دخوله القاعة إلى أن يصيح في الحضور (إنتوا الليلة ما انتخاباتكم.. المقعدكم هنا شنو؟). لتأتي الإجابات مؤكدة ذلك الزهد المكشوف وغير المخفي، ومضوا بعدها للانشغال بالشأن الذي أتوا لأجله.
{ قصة السفر إلى باريس
بعد زغاريد كثيفة وتكبير وتحميد وبآيات تتحدث عن نصر الله الذي لا يُغلب من لازمه، وتأكيد بأن مكر الله فوق مكر الماكرين، قدمت الأمين العام لحزب الأمة “سارة نقد الله” نائبة الرئيس د. “مريم”، التي بدأت حديثها بإرسال الشكر لكل من وقف معها ومع الدعوة لإطلاق سراحها، وخصت وسائل الإعلام، والقيادات السياسية والناشطين السياسيين وناشطي الإنترنت، وعقب توضيح ملابسات سفرها إلى باريس (على نفقتها الخاصة) في يوليو الماضي بدعوة من البرلمان الأوروبي للمشاركة في جلسة استماع حول الشأن السوداني، أوضحت أنه تصادف في ذلك التوقيت تنظيم الجبهة الثورية لقاءً لقياداتها كافة، وقالت: (وجدت أنها فرصة لعقد لقاء قمة معهم خاصة أننا كنا نسعى منذ فترة للالتقاء بهم)، وأشارت إلى اتصالها بقيادة حزبها لتنظيم اللقاء، ليتقرر حضور رئيس الحزب “الصادق المهدي”، وتعذر سفر نائب الرئيس مسؤول الاتصال بالحركات “محمد عبد الله الدومة”، ليتم تتويج اللقاء بتوقيع (إعلان باريس) في الثامن من الشهر الماضي، الذي كان سبباً في توقيفها فور وصولها مطار الخرطوم.
{ من سلم الطائرة إلى سجن النساء
أكدت (المنصورة) أنها كانت على يقين بأنها ستُعتقل عند وصولها الخرطوم، وأوضحت أنه بالتشاور مع قيادة الحزب تقرر أن يتم دفع ضريبة المواقف التي يؤمن بها حزب الأمة، وقالت: (بالفعل تم اقتيادي من سلم الطائرة إلى المعتقل المعروف بالفندق)، وأشارت إلى تعرضها لتفتيش كثيف ولمصادرة كل ما تحمله من أوراق ومستندات. ليتم بعدها تحويلها إلى سجن النساء بأم درمان.
{ التعذيب النفسي
هكذا وصفت “مريم” ما تعرضت له خلال أيام اعتقالها التسعة والعشرين، فقد أوضحت أنه تم التحقيق معها أربع مرات، ثلاث منها كانت- حسب تأكيدها- تلقى خلالها احتراماً وتعاملاً حسناً، لكنها اشتكت للغاية من ما سمته (التهديد والتخويف) الذي صاحب التحقيق الرابع الذي أشرف عليه من قدموا أنفسهم لها بأنهم مستشارون من الإدارة القانونية بجهاز الأمن، وقالت: (حققوا معي بصورة غريبة واستفزازية تؤكد أنهم ليسوا قانونيين)، وأكدت أنها أنهت اللقاء معهم بسبب طريقة تعاملهم. ومضت لوصف ما تعرضت له خلال فترة الاعتقال، لتكشف عن أنها احتجزت انفرادياً داخل زنزانة لا يُسمح لها بمغادرتها، ولا الذهاب للحمام إلا تحت الحراسة، وسُمح لها مؤخراً قبل إطلاق سراحها بالخروج إلى باحة السجن لساعتين فقط. وأشارت إلى أنها كانت محرومة من رؤية أسرتها ومن مقابلة محامييها، ومن الكلام، ومن الإطلاع على الكتب بما فيها (المصحف) وقالت: (لم يعطوني مصحفاً إلا بعد إصراري بشدة).. وختمت حديثها بالقول: (تعرضت لتعذيب نفسي وحرب نفسية متعمدة).
{ لماذا أطلقوا سراحي؟ وهل لا زلت معتقلة؟
ولإثبات عدم وجود مبرر لتجربة الاعتقال التي عاشتها، أوضحت “مريم” أنها طيلة فترة الاعتقال لم يحدثها أحد عن وجود خطأ واحد في (إعلان باريس)، وقالت: (لذلك لا أدري سبب اعتقالي كما أني لا أدري سبب إطلاق سراحي). وتساءلت في حيرة واضحة على نبرات صوتها: (أنا الآن لا أدري هل اطلقوا سراحي نهائياً أم أني لازلت معتقلة وممنوعة من السفر).
{ هذا أول ما سألت عنه عند التقاء إخوتها
بعد أن أوضحت حجم العزلة التي كانت تعيشها داخل السجن وانقطاعها عن أخبار العالم، أشارت “مريم” إلى أنها عندما التقت أخوتها بعد السماح بمقابلتها للمرة الأولى بعد الاعتقال سألتهم عن أمرين فقط: (ما آلت له أوضاع غزة بعد الاعتداء الإسرائيلي الأخير، وعن أحوال رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ المعتقل منذ فترة طويلة ما بين سجن النهود والأبيض)، ثم قالت ضاحكة: (كنت ما عارفة أي حاجة في العالم).
{ ما بين سقوف الوطن والوطني
بعد تأكيدها أن (إعلان باريس) يمثل مخرجاً آمناً وسلمياً للبلد ونفيها القاطع بأنه لا يمثل بديلاً أو إزالة لغيره، ولا بديلاً للحوار الوطني الداخلي، أكدت أن حزب الأمة لن يسمح للحكومة بتحجيم الحوار الوطني بسبب ما سمته (صراعاتهم الداخلية على السلطة)، وقالت: (النظام هو الذي ذبح حوار (7+7)، فالسقوف التي يضعونها للحوار هي سقوف الوطني وليس سقوف الوطن)، وأشارت إلى رغبة حزبها في الاتفاق على أجواء الحريات وإشراك كل الشعب في الحوار.
وتفرقت الجموع التي حضرت المؤتمر وهي ترى الفرحة الغامرة التي عمت أوساط الأنصار بخروج (المنصورة) من معتقلها، ولسان حالهم يضج بالسؤال (ومتى يفرح الوطن بخروجه من عنق الزجاجة الذي طال حبسه فيه؟).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية