(العنقريب).. ضياع الشكل وبقاء المضمون

من أنواعه (الهبابي).. (احفظ مالك) و(البلابل)
توثيق _ آيات مبارك
تنطلق رائحة الماضي من بعض الأدوات التي يحتفظ بها البعض في المنازل كـ(العنقريب).. ربما لذكرى عزيزة أو لإرضاء أحد الوالدين، ثم تنفيذاً لرغبة (حبوبة) أو كما تقول الأمهات (كان جا الموت)، ثم تطالب الفتيات بتزيينه لحنة أحد أشقائهن.. وعندما نسمع كلمة (العنقريب) ترتسم الحسرة على وجوه البعض.. ويرد آخر (إنت من زمن العنقريب.. هسي العندو عنقريب منو؟؟)، ليصبح زينة منزلية فولكلورية ينتظر الجلوس عليه على مفترق طرق (الختان، الزواج والموت).. (المجهر) حاولت أن تجلس عليه حتى تراه عن قرب من خلال الإفادات التالية..
أولاً تحدثت إلينا الحاجة “نفيسة” التي أفادتنا قائلة إن (العنقريب) لا استغناء عنه في البيت السوداني (بتجي حوجتو)، وله قيمة تراثية وهو عمود البيت (بنحتاج ليه في أهم المناسبات).. (يعني كان جا الموت نقعد نفتش؟).. وقالت: (وتاني عنقريب الجرتق وحنة العريس).. وقال “علوية نورين”: (في حاجات لا تتراجع مع تطور الحياة والتكنولوجيا طالما لديها وظائف اجتماعية زي العنقريب ده، لكن البنات ما بخلوه ليك أو يوضع بآخر غرفة في المنزل حتى لا يراه الضيوف).
{ أنواع (العناقريب)
لـ(العناقريب) أنواع كثيرة منها (الهبابي) القصير و(عنقريب القد) الذي يصنع من (جلد البقر) و(عنقريب المنجرة) ثم (أبو السروج)، ويتميز هذا العنقريب بطول أرجله، وهناك ما يسمى بـ(عنقريب الجرتق) أو (عنقريب الحُق) ومن مسمياته التسويقية (احفظ مالك) و(البلابل).
و عن وجود (العنقريب) في السودان كتب البروفسير “يوسف حسن مدني” رئيس قسم الفولكلور بـ(معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية) بـ(جامعة الخرطوم) في أطروحته لنيل درجة الماجستير قائلاً إن كلمة (عنقريب) أصلها نوبي وجاءت من الكلمة النوبية (أنقيري)، لكن تعددت الروايات في أصل صناعة (العنقريب).. تقول الرواية الأولى إنه عرف منذ الفترة التركية 1820-1883م وقد أتى مع أحد الهنود، الذي وصل إلى سنار  وعمل بصناعة (العناقريب)، ورفض أن يعلمها لأي شخص غيره، وفي إحدى المرات التي غاب فيها الهندي استطاع (النفيراب) تنفيذ نماذج من الطين لأدوات هذه الصنعة ثم جاءوا إلى ود مدني.. أما الرواية الأخرى فتقول إن بعض أفراد أسرة (النفيراب) ذهبوا للحج، وفي جدة وجدوا رجلاً هندياً يعمل في صناعة (العناقريب)، ورفض أن يعلمهم أو يريهم أدواته المستعملة، لكن واحداً من أفراد الأسرة بقي في جدة حتى تمكن من تنفيذ نماذج من الطين لتلك الأدوات، ثم بدأ في صناعة (العناقريب).
{ تاريخ (العنقريب)
وتاريخياً وجد (العنقريب) عند حضارة (كرمة) (2000- 1580 قبل الميلاد) وهو مصنوع من الخشب الذي كان يستعمل في تقاليد الدفن الجماعي، وقد عُثر عليه بحالة جيدة مدفوناً في باطن الأرض مع بعض الهياكل والأدوات الفخارية.