المراكز الثقافية
قبل ثلاث سنوات مضت وحينما كان الأخ “السمؤال خلف الله” يتولى حقيبة وزارة الثقافة، أذكر أن المجلس الاستشاري للوزارة عقد دورة انعقاد – سميت الأولى – وبعد مداولات مطولة أخرجت التوصيات التي كان أحدها ضرورة مراجعة نشاط المراكز الثقافية الأجنبية بالبلاد. وكالعادة فقد مضت الأيام والشهور وتوالت السنوات ولم يذكر أحد هذه التوصية ومعها مقترحات أخرى في الشأن الثقافي، إنشاء إدارة مختصة للاعتناء بالتدريب الولائي في مجال الشأن الثقافي، وتفعيل الاتفاقيات الثقافية في مجال التراث غير المادي والتراث الشفاهي، وإنشاء المكتبات العامة بالولايات والمحليات والتنسيق مع المكتبة الوطنية، أو تأهيل الكوادر السينمائية ودعم الإنتاج السينمائي وإشراك الرأسمالية الوطنية مع النظر في تمثيل القطاعات الثقافية في لجنة صياغة الدستور الدائم، واعتماد جوائز قومية للفنون تشجيعاً للإبداع وكلها لم ينفذ منها شيء ! الآن بعد ثلاث سنوات من توصية بالمراجعة أتى قرار السلطات بإغلاق المركز الثقافي الإيراني لتجاوزه شروط التفويض الممنوح له حسب وزارة الخارجية التي أعيب على بيانها إكثاره من (اللت والعجن)، مع أن أي شخص يعلم أن بالبلاد مراكز ثقافية أجنبية منها الفرنسي والبريطاني ولم تغلق أو تتعرض لمضايقة، لأنها تحصر نفسها في نطاق عمل لا يتجاوز أنشطة أكاديمية وثقافية متفق عليها ولم يحدث بشأنها تجاوز مخل، كما أن أي شخص يعلم أن بالخرطوم كذلك (200) مركز ثقافي (سوداني) نالت رخصها بموجب قانون ينظم من قبل مفوضية العون الإنساني وأيما خرق لذاك القانون المنظم فإن العقوبة تطال الجهة المخالفة. وقد حدث شيء من الإغلاق لبعض المراكز السودانية على نحو ما طال مركز بيت الفنون ومركز الدراسات السودانية أو سحب الترخيص من مركز “الخاتم عدلان”. لهذا اعتقد أن حصر قضية المستشارية الثقافية الإيرانية في مسارها القانوني أفضل وأقرب إلى حقيقة الواقعة. لست ميالاً لتصوير الأمر وكأنه معركة (أدنى الأرض) ويوم غلب بعد غلب وتصوير ما حدث وكأن حرباً بالسودان قد دخل خاض فيها بين المذاهب ! لأن الجميع ينحرف الآن بالحدث عن مساره البسيط ليحوله إلى نار يرمي فيها الجميع الحطب، خاصة عند ممن يظنون أن للقرار خلفيات وأبعاد سياسية تمتد إلى ما وراء سواحل البحر الأحمر شرقاً، وهم في هذا يخلطون خلطاً كبيراً ويضيفون ربما بهارات غير مطلوبة لحساء الإثارة بالإجمال. فالمسألة بسيطة في تقديري وصحيحة، جهة ما تجاوزت وخالفت والجهة المصدقة أنزلت عليها العقوبة المناسبة ونوع المخالفة معلوم بالضرورة لدى السلطات ومعروف، وبالتالي تمت الإحاطة بالإزالة وقضى الأمر. إن قضية المستشارية هذه تشير ببساطة إلى إهمال بعض الجهات وكسلها، لأنك إن كنت قريباً توجه وتصوب فإن ما يتجه نحو الخرق سيجدك قائماً عنده، فإما أن يعتدل أو يعتزل ولكن لأننا في السودان نصدر التصاديق ولا نتذكرها إلا يوم دفع رسوم تجديد الاشتراك السنوي، هذا إن كانت المراكز الثقافية الأجنبية تراجع أو لها ملفات أصلاً !