الشلهتة
قبل نحو ست سنوات تقريباً وقع “الصادق المهدي” مع المؤتمر الوطني (الواحد دا) اتفاق التراضي الوطني، كان ذلك تحديداً في 13 جمادي الأولى 1429هـ، 20 مايو 2008م. وأذكر ديباجته تحديداً إذ تحدثت عن أهمية الحوار بوصفه الوسيلة الفعالة في معالجة القضايا والمشكلات الوطنية، أن الحزبين وعيا أهمية وضرورة أن يكون هذا الحوار في إطار البيت الواحد ، سودانياً خالصاً واستشعاراً بالمخاطر والتحديات والمهددات التي تواجه البلادواستلهاماً لتطلعات الشعب السوداني في التحول الديمقراطي والسلام العادل الشامل عبر جمع الصف الوطني، صوناً للبلاد تراباً وهويةً وإنساناً وسعياً نحو حشد الطاقات وتكامل القدرات.
الآن يبدو أن “المهدي” قد بصق على كل تلك القناعات فصار مثل الطائر الطواف، عاصمة تسلمه إلى أخرى، وبلد تدله لأخرى وحكومة تسلمه لأختها، سفر ودردرة ! ، فمن”باريس” إلى “القاهرة” إلى “دبي” ثم في الأفق “أديس أبابا”، فهل يريد زعيم حزب الأمة أن يقنع الناس بأن هذه التحركات محض سياحة أم أنها تسويق نفسه لجهات لا يصح ولا يليق برجل في قامة وتاريخ “الصادق المهدي”، أن يتحول آخر عمره وبعد تاريخ ملئ بجلائل الأعمال إلى سياسي متسكع في العواصم والدويلات.
زعيم حزب الأمة أكرم له وأفضل مئة مرة أن يجرجر في السجون والمعتقلات معارضاً، مصيباً أو مخطئاً من أن يكون عوناً ضد بلده، لمرارة في نفسه أو غيظاً عليها أو غبن شعر به من ظلم طاله أو إجراء قدر أن به تعسفاً. إن “المهدي” لا يشبه أفعال الغدر والخيانة ويد الرجل أنظف من أن تتلوث بدماء السودانيين أو تسهم في إلحاق أذى بالبلاد. الرجل سياسي شريف وإن اختلف معه أو اتفقت فلا تملك إلا أن تشهد له بالنزاهة، وأنه رمز للسلام والتسامح وهي جملة صفات أرجو أن يتمسك بها الإمام ويحرص، فكل ما عداها زائل وإلى زوال.
الرأي عندي أن يبادر حكماء حزب الأمة والمؤتمر الوطني وكل حريص على رد “الصادق المهدي” إلى طريقه الصحيح، لأن مكانه هنا بالداخل، في وسط البلد، بين أنصاره وخصومه معارضاً ديمقراطياً جهير الصوت واللسان، لأنه معارض من وزن كبير وليس من فصائل (الطرور)، ولأنه رمزية للبلاد وليس رجلاً نكرة ولهذا فأليق به وأفضل أن يدخل الخرطوم آمناً مؤمناً، فلن يكون مشرفاً أو كريماً البتة أن يتحول فجأة إلى ناشط سياسي معارض تجمل به بعض الواجهات وجهها أو توظفه بعض الدوائر باسمه وتاريخه ضد بلده ومواطنيه الذين حكمهم. إن تحركاً ومبادرة من المؤتمر الوطني تحديداً مطلوبة في هذا الوقت، من أجل الوطن ومن أجل “الصادق”، نفسه ومن أجل احترامنا لهذا الرجل الذي لا تليق به (الشلهتة) ولا تصح في حقه.