جهاز الأسرار يبعث برسائله علناً
الفريق “عطا” يخاطب انضمام (724) لقواته
يوسف عبد المنان
اختار جهاز الأمن والمخابرات أن يبعث بثلاث رسائل تطمينية وتحذيرية وتهديدية في يوم انضم فيه (724) من أبناء السودان لجهاز الأمن والمخابرات.. وشهدت “جبال كرري” الواقعة “شمال أم درمان” احتفالية امتزجت فيها الهيبة والبساطة وعمق الرسالة.. حيث اختارت القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة العسكرية منطقة “وادي سيدنا” و”جبال كرري” منطقة تدريب للمقاتلين منذ أمد بعيد.. ولا يعطي العسكريون السودانيون تفسيراً للارتباط بالمكان، ولكن شكل تاريخ المهدية وبطولاتها ومعاركها ملهماً للذات السودانية في المضي على أثرها.. وربما لخصائص الجغرافيا حيث الطبيعة الجبلية الصخرية والمناخ شديد الحرارة صيفاً وبارد شتاءً أثرا في اختيار المنطقة لتصبح واحدة من مراكز التدريب القتالي للفصائل العسكرية من جيش وأمن وشرطة!!
{ الرسالة الأولى:
قال الفريق “محمد عطا المولى عباس” المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات وهو يتحدث للخريجين من المقاتلين البالغ عددهم (724) من منسوبي الجهاز: إن هؤلاء الرجال سيرفعون التمام للسيد رئيس الجمهورية بجاهزيتهم لحماية الحوار الوطني والتوافق الوطني، وتوفير مناخ عام آمن للانتخابات التي ستجرى في الصيف المقبل ليختار الشعب السوداني قيادته.. والرسالة الأولى موجهة للأحزاب السياسية في المعارضة والحكومة بأن القوات النظامية وخاصة جهاز الأمن والمخابرات يقف مع خيار التفاوض السلمي والحوار الوطني والتوافق والتراضي الوطني، وهي رسالة عميقة بعد أن شاع في الفترة الماضية توجس وسط القوى السياسية بأن الاعتقالات التي طالت الإمام “الصادق المهدي” ومن بعده السيد “إبراهيم الشيخ” بمثابة رسالة مبطنة من جهاز الأمن للقوى السياسية برفضه للحوار الوطني، بيد أن الفريق “محمد عطا المولى” قد اختار التعبير جهراً وبصراحة شديدة عن دعم جهاز الأمن الوطني لخطى الحوار والتوافق، بل طمأن القوى السياسية بأنه حارس أمين للديمقراطية القادمة بحماية الانتخابات القادمة وتأمينها، وقال “عباس”: (حتى يختار الشعب بحرية قيادته القادمة).
{ الرسالة الثانية:
هذه الرسالة وجهها الفريق “عطا المولى” لحاملي السلاح من القوى التي جعلت البندقية خيارها وهي ترفض مبدأ الحوار، قال مدير جهاز الأمن إن عمليات الصيف الساخن التي بدأت هذا العام سوف تمضي حتى حلول (يناير) المقبل الموعد الذي قطعه الرئيس بإنهاء التمرد في “جبال النوبة” و”دارفور”.. وإن القوات المتخرجة من (معسكر كرري) بأم درمان تمثل إضافة حقيقية للمكون القتالي في جبهات العمليات، وإن بفضل عمليات الصيف الساخن أضحت فصائل التمرد (ترتزق) من القتال في دولة “جنوب السودان”، وهذا دليل على أن عمليات الصيف الساخن قد حققت أهدافها.. وقال مدير جهاز الأمن إن قواته جاهزة ومستعدة لحماية الحدود وما وراء الحدود ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحديات التي تواجه البلاد الآن، وأضاف قائلاً: لسنا محايدين والأخطار تحدق ببلادنا وتهددها وحماية البلاد واجب لا تنازل عنه مهما كان الثمن.
{ الرسالة الثالثة:
وهي رسالة عميقة للقوات المسلحة وللشرطة بأن جميع القوات النظامية في خندق واحد من أجل حماية البلاد، وذكر المدير العام لجهاز الأمن نقول لإخواننا في القوات المسلحة نحن جاهزون معكم في الخنادق وساحات القتال لحماية السودان، ومن واقع ما عدده اللواء “علي النصيح القلع” مدير إدارة العمليات والتدريب بجهاز الأمن والمخابرات، فإن المقاتلين الذين تم تخريجهم من (معسكر كرري) بالاسم قد تم إعدادهم بدنياً وفنياً لضروب القتال كافة، حيث تلقى الخريجون دورات في كل أنواع الأسلحة من (الكلاشنكوف) وحتى الأسلحة المتخصصة كالمدفعية والدروع.. والمجنزرات وتدريب على أنظمة الدفاع الجوي في كيفية استخدام المدافع المضادة للطائرات، وبذلك يصبح هؤلاء المتخرجون مقاتلين أولاً قبل مهامهم الأخرى في الرصد والمعلومات.. وقال اللواء “القلع” في حديثه للمتخرجين إن (724) عنصراً من جهاز الأمن قد تم تدريبهم على أعمال فض الشغب وحرب المدن بما يؤهلهم لمساعدة الشرطة في أداء واجبها.
{ جهاز الأمن ومقتضيات الواقع!!
ظل البعض منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005م، يعتبر ما ورد في نصوص الاتفاقية من توصيف لمهام جهاز الأمن الواردة في نصوص الاتفاقية ينبغي الالتزام بها.. وتسعى قوى سياسية في الداخل والخارج لتحديد مهام جهاز الأمن في رصد المعلومات وتقديمها للسلطة التنفيذية فقط.. أي إحالة كل الذي على عاتقه الآن وجعله أكبر مؤسسة لموظفي الخدمة العامة.. ولكن واقع التحديات التي تواجه السودان الآن.. أطماع التمرد الذي اقترب من “كوستي” قبل عمليات الصيف الساخن وبات يهدد طريق الأبيض – الخرطوم، ويحدث متمردو دارفور أنفسهم (بغزوة) جديدة لأم درمان إزاء هذا الواقع كيف يتصدى كل من هو قادر على حمل السلاح لمواجهة التمرد؟؟ وقبل عمليات الصيف الساخن والحاسم التي استبسلت فيها القوات النظامية من جهاز أمن ومخابرات وقوات مسلحة كان التمرد قريباً من تحقيق أهدافه، لكن العمليات التي جرت في “جبال النوبة” و”دارفور” قد أكدت أهمية تدريب كل القوات النظامية من جيش وشرطة وجهاز أمن على العمليات العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة.. والأجهزة الأمنية التي ترصد المعلومات فقط هي في البلدان المستقرة سياسياً ولا يهدد وجود الدولة تمرداً في الأطراف أو تخريباً في المدن!!
إن رسائل المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الفريق “محمد عطا المولى عباس” أمس من خلال احتفالية تخريج الدفعة (77) قد اخترقت جدر صامتة وبلغت أهدافها فيما تبدى للمراقب للاحتفال الذي اتسم بالبساطة والتقشف الشديد والأهداف العميقة التي جاءت في سياق أحاديث قادة جهاز الأمن.