الحركة الإسلامية بعد ربع قرن… الحنين إلى الشعارات العاطفية
بدعوتها أنصارها للهجرة إلى الله
تقرير :عقيل أحمد ناعم
ولأنَّ الطرفة بعض من طرائق التعبير عن الرأي والنقد، بل من أشدها وقعاً وتقريعاً، وهي غالباً أكثر وسائل الحجاج السياسي التصاقاً بجموع الناس وعوامهم وكثرتهم الغالبة، فإنها لم تغب عن التعليق على تصريحات الأمين العام للحركة الإسلامية المرتبطة بالنظام وحزبه الحاكم “الزبير أحمد الحسن” التي أكد خلالها أنَّ الحركة ستعمل على تطوير أدائها بـ(الهجرة إلى الله)، فضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية من هذا القول دون أن تغرق في نقدٍ سياسيٍ جامد، فقال البعض فيه قولاً غليظاً غارقاً في السخرية، من شاكلة “والشعب السوداني سيطور أداءه بالهجرة خارج السودان”، ولعلها تشي عن قنوط الناس وعدم اكتراثهم لما يرونها شعارات محلقة في سماء المثال النظري المنقطع عن واقع الممارسة، وكأنَّ هذه السخرية تهمس في آذان أهل الحركة الإسلامية “ولماذا كنتم بعيدين عن الله طيلة (25) عاماً حتى تهاجروا إليه الآن؟”. وقد تكون مثل هذه الرؤية ظالمة للحركة الإسلامية، باعتبار أنه ليس من الإنصاف الحكم على مجمل تجربتها في الحكم بالفشل ومجافاة جانب الله.
تصريحات مشابهة
هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها أمين عام الحركة الإسلامية الجديد الذي أعقب الأمين السابق “علي عثمان محمد طه” تصريحات تحمل صفة الاعترافات أو المراجعات لسابق كسب الحركة ، وإن كان يراها بعض قادة الحركة مجرد “ذكرى للمؤمنين”. فقد أطلق الزبير من قبل اعترافاً صريحاً بتنكب الحركة وحزبها ودولتها بل وأفرادها الطريق بقوله: (مقصرون كدولة وكحزب وكحركة وأفراد ونحتاج الأوبة) مؤكداً سعي الحركة لتصحيح ما وصفها بـ(الممارسات الخاطئة).
دعوة متأخرة ووعظ غير مجدٍ
هكذا يرى المحلل السياسي د.”حمد عمر الحاوي” تصريحات أمين عام الحركة الإسلامية ، مشيراً إلى أنَّ الأمر لا يحتاج إلى خطب وعظية ، لافتاً إلى أنَّ أهواء أهل السلطة التي أتت بها الحركة الإسلامية تمكنت منهم وألهتهم عن اتباع الحق وقال لـ(المجهر): (التقوى والورع وحدهما لا يكفيان). وأشار إلى غياب مبدأ المحاسبة والمعاقبة طيلة الفترة الماضية وقال: (الحركة الإسلامية بعد السلطة أضعفت مبدأ المحاسبة والنصح وتركت الأمر لمخافة الله وهذا ما أصابها في مقتل). وأكد د.”الحاوي” أن علاج حال الحركة الإسلامية لا يكمن في ما سماها “إيقاظ الضمير الذي تراكمت عليه كثير من الخطايا”). وقال: (هذا منهج غير مُجدٍ لأنَّ الحركة تحتاج لبرنامج عملي يعتمد المحاسبة والمناصحة والمعاقبة وليس مجرد الوعظ الديني).
رسائل إلى العنوان الخطأ
رغم أنَّ القيادي السابق بالحركة الإسلامية وأحد مؤسسي (الحركة الوطنية للتغيير” د.”خالد التيجاني” لا يختلف من حيث المبدأ مع قراءة د.”الحاوي لتصريحات “الزبير أحمد الحسن”، إلا أنه يرى أنَّ أمين عام الحركة الإسلامية أرسل رسالته إلى العنوان الخطأ باعتبار أنه يخاطب قواعد الحركة الإسلامية، الذين برأهم “التيجاني” من تهمة البعد عن الله، وقال: (قاعدة الحركة الإسلامية لم تبتعد أصلاً عن الله حتى يطالبهم “الزبير” بالعودة إليه). وأضاف: (أخشى أنها رسالة مرسلة إلى العنوان الخطأ لذا عليهم أن يبحثوا عن من ابتعد عن الله ليوجهوا إليه هذه الدعوة). وحمل قادة الحركة الإسلامية وزر ماحل بها بقوله: (لو كان القادة قد اقتربوا من الله لما حدث ما حدث) واتهم قيادة الحركة بأنها غير مؤهلة لحمل الأمانة التي انيطت بها وقال: (كل التجاوزات حدثت بسبب فشل القادة في تمثل القدوة وفي تنزيل الشعارات التي رفعوها). واعتبر انَّ مشكلة الشعب السوداني مع قيادة الحركة وليس قواعدها.
الحركة تدافع عن نفسها
بمجرد طرح تساؤلي حول مدلولات تصريح الأمين العام للحركة الإسلامية وهل هي تعبير عن اعتراف ببعد الحركة طيلة (25) عاماً عن طريق الله على مسؤول الفكر والثقافة بالحركة الإسلامية د.”محمد بشير عبد الهادي” سارع الرجل للنفي القاطع وبنبرة صارمة (طبعاً لا، هذه التصريحات مجرد ذكرى لإخوانه حتى يراقبوا الله في كل أعمالهم). وأضاف: (هذه طريقة مشروعة وغير مرتبطة بأي نوع من الممارسات الخاطئة للحركة الإسلامية). ونبه إلى أنَّ التصريحات أتت في إطار برنامج الحركة المطروح من قبل أمانة الاتصال التنظيمي والذي شعاره “الهجرة إلى الله”.
شعارت تجاوزها الزمن
د.”خالد التيجاني” لا يرى أي جدوى من دعوة “الزبير” الداعية إلى الله إلا بأن تكون هذه الدعوة موجهة للقيادات. وقال: (لو جادين أبدوا من فوق) ولفت “التيجاني” إلى أنَّ الإسلاميين خلال فترة حكمهم أطلقوا الكثير من الشعارات دون إنزالها إلى أرض الواقع وقال: (لا يعقل أن يطلقوا شعارات وأحكاماً مطلقة بعد (25) سنة من الحكم). وأضاف: (تقوى الحاكم وصلاحه ليس بصلاته وتعبده بل تقوم تقواه على إقامة العدل وتحكيم القسطاس المستقيم)، ولم ير “التيجاني” سبيل لعودة الحركة إلى الله إلا بإعادتها أمانة السلطة لأهلها وهم الشعب السوداني.
إقرار قديم بالفشل
منذ فترة ليست بالقصيرة، حتى قبل مفاصلة الإسلاميين الشهيرة بدأت الأصوات تتعالى من داخل أسوار الحركة محذرة من فساد بدأ يسري في جسد سلطة الحركة الإسلامية، وظهرت هذه الانتقادات جلية بدخول زعيم الحركة التاريخي د.”حسن الترابي” على خط تعرية سوءات الحركة بحديثه الشهير عن ظهور فساد بنسبة (9%) في الدولة. وحتى تلك اللحظة لم يكن الحديث عن فشل مشروع الحركة الإسلامية في الحكم ، لكن د.”حمد الحاوي” يشير إلى أنَّ تهمة الفشل لم تعد منكورة، وأن قيادة وقواعد الحركة الإسلامية على السواء أصبحوا مقرين به.
نموذج الحركة في الحكم هو الأفضل
( أرجو أن لا تحملوا التصريح أكثر من ما لا يحتمل) هكذا رد أمين الفكر والثقافة بالحركة الإسلامية “محمد بشير عبد الهادي” على الاتهام بفشل مشروع الحركة في الحكم. واعتبر أنَّ تحميل “تصريح الزبير” بذور اعتراف بالفشل تفسير غير صحيح. وقال: (الدعوة للعودة إلى الله لا تعني أن الحركة تركت طريق الله). ونفى بشدة فشل الحركة في الحكم أو تنكبها طريق الله المستقيم خلال ربع القرن الفائت وقال: (ما في أي كلام، الحركة كانت ملتزمة بالنهج الإسلامي ولكن ليس كل أفرادها كانوا ملتزمين بالصورة المطلوبة). وقطع “عبد الهادي” بأنَّ نموذج الحركة في الحكم كان أفضل من أي نموذج آخر في السودان، وقال: (لكنه دون الطموح).
محاولة لاختطاف الحراك الإصلاحي
في تفسيره لتوقيت ودلالة إطلاق أمين عام الحركة الإسلامية دعوته لأنصاره بالهجرة إلى الله، يلفت د.”خالد” الأنظار إلى أن ساحة الإسلاميين تشهد حراكاً واسعاً يقوده من سماهم (ذووا الاستقامة) الذين استشعروا الخطر على البلد كله وليس الحركة وحدها، ومطالبتهم بإطلاق الحريات وإعادة الأمانة للشعب. وقطع “التيجاني” بأنَّ تصريحات “الزبير” لا تعدو كونها محاولة عاطفية لاختطاف الحراك الإصلاحي الداعي للتغيير عبر دعاوى العودة إلى الله.