كوديسا !!
قبل عامين مضيا أذكر جيداً أنَّ الإمام “الصادق المهدي” وفي أحد الإفطارات دعا لما سماه مشروع (الخلاص الوطني) للتغيير كما حدث في عدد من البلدان. واعتبر “المهدي” ليلتها المشروع تخطيطاً لنظام جديد، داعياً جميع القوى السودانية المسلحة وغير المسلحة للالتفاف حوله ومباركته والانخراط فيه. وطالب “المهدي” المجتمع الدولي بدعمه، مشدداً على أهمية التوصل إلى اتفاقات شاملة مع دولة الجنوب، مطالباً بالإفراج الفوري عن المعتقلين، وأذكر بعدها ظهرت دعوته للـــ(كوديسا) على النسق الجنوب أفريقي والتعبير، أذكر أنه أثار موجة تعليقات طريفة في الأسافير التي تهكمت من الإمام تهكماً مريعاً! بعدها برز رئيس (الأمة) “الصادق” في دعوة اتجهت هذه المرة إلى ما هو أبعد من الدعوة على هامش مناسبة الإفطار، فقد طالب الإمام السودانيين بالنزول إلى الشوارع واحتلال الميادين والسفارات السودانية في الخارج للإطاحة بالنظام الحاكم في السودان وهى الدعوة التي انتهت أيضاً إلى اللا شيء، إذ لم يخرج أحد أو يثر مع رئيس حزب الأمة. ومضت الأيام والأشهر والسفارات السودانية والميادين تنعم بالهدوء والطمأنينة ومثل هذه الأمثلة عديدة ومتنوعة، ويبدو والله أعلم أنها كلها مجتمعة رسخت في مفهوم الناس أنَّ “الصادق المهدي” (نفاخ ساكت) ورجل قلبه أبيض إذ ينتهي الغيظ والحنق عنده عادة بانتهاء الخطبة والخطاب، ما لفت نظري في منهجية المعارض التحول الأكبر في لغته في الآونة الأخيرة خاصة في أعقاب اعتقاله وإعلان باريس الأخير، بدا “المهدي” أقرب إلى روح الأسد الجريح، مكسور الكبرياء حد التجاوز، ولعلَّ ما عزز هذا عندي ما قرأته عن دعوته “ثامبو أمبيكي” و”محمد بن شماس” و”هايلي منكريوس” بالتخلي عن دعم عمليات السلام في السودان، لأنها برأيه لا تحقق السلام المطلوب، مطلقاً النار على الحوار الوطني والمؤتمر الوطني ليقول في مقال له إنَّ (الوطني) يسعى بشدة لاستنساخ نفسه مع زخرفة جديدة في استخدام مساحيق مستحدثة تمكنه من الاستمرار بلا تحول جذري، وأنَّ الحوارات التي يدعو لها (الوطني) لا تتجاوز إعادة اصطفاف لمِّ شمل تيارات ذات مرجعية إخوانية تحت مظلته، وكل هذا من ناحية أخرى، وهذه اللغة تؤكد ما ذهب إليه الدكتور “أمين حسن عمر” من أنَّ “الصادق المهدي” يستشعر غيرة ماحقة من الشيخ “الترابي” ولهذا يفعل ما يفعل، والحالة المتأخرة هذه تتطلب في ما يبدو تدخلاً ما من الشيخ “الترابي” نفسه، بمنهج “داونا بالتي كانت هي الداء”! وفي ما يبدو فإنَّ شيخ المؤتمر الشعبي والإسلاميين بالسودان كان يعلم منذ وقت باكر أنَّ خصمه وصهره، حليفه وعدوه في الوقت نفسه لن ترضى نفسه إنْ برز “الترابي” وصعد في هذا الحوار وتجلى، وهو ما فعله الشيخ الكبير في بدايات المنشط ثم تراجع بعدها ليجلس حيث ينتهي به المجلس ولكن الوضع يختلف الآن ويبدو أنَّ حالة “الصادق المهدي” قد تعقدت ولا طريقة للاستطباب والعلاج إلا بين يدي شيخ المنشية.