سماسرة السياسة (1)
{ في كرة القدم سماسرة في الترويج للاعبين ينشطون في مواسم التسجيلات ويتخذون من الصحافة الرياضية ذراعاً لترويج البضائع الفاسدة والمضروبة نظير شيء معلوم تحت الطاولات!! وسماسرة كرة القدم في العالم المتقدم حضارياً وثقافياً تم تقنينهم والنص عليهم في لوائح وقانون الاتحاد الدولي بما يعرف بوكلاء اللاعبين والمدربين، وهؤلاء يحصدون في مواسم التسجيلات والتنقلات مليارات الدولارات بالقانون والكسب الحلال.
{ وفي السياسة أيضاً سماسرة دوليون ومحليون لهم قدرة فائقة في ترويج بضائعهم.. هناك سماسرة في العلاقات بين الدول يتم تعريفهم بالوسطاء، وغالباً هؤلاء من وزراء خارجية دول كثيرة تقاعدوا عن الخدمة ورؤساء حكومات.. أمثال رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير”.. والرئيس الأمريكي الأسبق “جيمي كارتر” الذي له مركز لمحاربة دودة (الفرنديت).. لكنه مركز سياسي يعمل في تسويق المبادرات بين أمريكا والدول التي تسوء علاقتها بواشنطون مثل السودان الآن وليبيا في حقبة “القذافي” وعراق “صدام حسين” ويوغندا “موسفيني”.. وينشط السماسرة والوسطاء بين الأنظمة الشمولية في دول العالم الثالث والدول الغربية.. لأن الديمقراطية تحارب سماسرة السياسة ووسطاءها من تلقاء النظام الذي يرسي قواعد الشفافية وتداول السلطة.
{ داخلياً في السودان تنمو ظاهرة السمسرة السياسية في مناخ الانتخابات ذات الاتجاه الواحد والنتائج المعروفة سلفاً.. وتمثل حقبة الاتحاد الاشتراكي أزهى أيام السماسرة وربيعهم في السودان.. ثم جاءت الإنقاذ لإنعاش سوق السمسرة.. وشهدنا أيام “الشيخ حسن الترابي” كيف يُسرق لسان الرجل ويدعي البعض وصلاً ليلياً وصباحياً به.. بعض هؤلاء يملكون براعة في تذويق الكلام وتحسين المقام وادعاء البطولات وما تحت البطولات وخفايا الحكم وأسراره.. يجمعون من تلك المهنة المال ويكسبون الأراضي ويدعون فصل فلان وتعيين آخر.. وحينما قذفت رياح الخلافات بـ “الترابي” لضاحية المنشية وذهب للسجن وبات مستضعفاً أخذوا على عاتقهم مهاجمته والتقرب من الرجال الذين هم حول “البشير”.. فأصبحوا يطوفون حول منزل “علي عثمان” كطوافهم حول الكعبة في الحج.. ويمارسون الركوع والسجود تحت أقدام بعض قادة السلطة.. يدعون وصلاً بدكتور “نافع” في الليل.. وشرب قهوة الصباح في حضرة الشيخ “علي عثمان”.. وبمغادرة “نافع” د.”علي عثمان” حوش السلطة انفضوا من حولهما.. وباتوا بعيدين عنهما وقريبين من بيوت “غندور”.. يحيطون به ابتغاء مصلحة آجلة أو عاجلة..
{ ولا ينشط سوق السماسرة في حدائق المؤتمر الوطني وحده.. بل في كل الأحزاب حتى التي يقبع رؤساؤها في السجون أمثال “إبراهيم الشيخ”.. هناك من ينشطون في التجارة بمواقفه والتكسب بسجنه وجمع المال باسمه والتظاهر ابتغاء مال منتظر.. وفي حزب مثل الاتحادي الديمقراطي.. هناك من يسرق لسان “الميرغني” و(يفتي) في السياسة باسم “الميرغني” ويأمر وينهي باسم “الميرغني”.. والحال من بعضه عند الإمام “الصادق المهدي”.. وحتى الحركات المسلحة ما أكثر تجار حروبها.. وأدعياء الوصل بقادتها.
{ في أيامنا هذه ينفُض سماسرة السياسة الغبار عن أحذيتهم القديمة ومعاطفهم الشهيرة.. ويقدمون أنفسهم لولاة الولايات (كمصلحين) وأهل ثقة.. وعالمين ببواطن الأمور في الخرطوم.. على وصل دائم بـ “بكري حسن صالح” واتصال يومي بـ “غندور”.. وهم رجال “حسبو” وأصدقاء حميمون لـ “صلاح ونسي” ومخلصون للفريق “عبد الرحيم محمد حسين”… هؤلاء لاحت بوادر موسمهم.. وأيام كسبهم وربيعهم بعد غروب شمس صيفهم.. يرسمون خارطة (درب) الوصول لمنصب الوالي ومرشح الحزب للدائرة الجغرافية، فمن هم هؤلاء وهل (يقطع) “غندور” الطريق أمام موسم سمسرتهم؟!
نواصل.