القاص "عبد الغني كرم الله" في دردشة رمضانية:
(نجم على مائدة المجهر الرمضانية).. مساحة يومية خلال شهر رمضان المعظم، نستضيف فيها عدداً من الشخصيات البارزة في المجتمع، ونتجول معهم في دردشة خفيفة عن رمضان.. أسلوب حياتهم ومزاجهم الخاص فيه.. الطقوس التي اعتادوها.. أصناف الأطعمة والمشروبات التي يحرصون على تناولها خلال (الفطور) و(السحور).. وما تبقى من ذكريات الطفولة الرمضانية وغيرها من المواضيع. ضيف مساحتنا اليوم الكاتب والقاص الأستاذ “عبد الغني كرم الله ” فإلى إفاداته:
} ماذا يعني لك رمضان؟
– أنا وأختي “محاسن” تمنينا أن يكون رمضان طوال السنة، كي ننتهز صلاة أهل القرية قرب بيتنا، في برش كبير، وهم سجود، فنتسلق بمهارة رؤوسهم المتعبة، ذات العرق ورائحة الطمي وعشب النهر، ثم تبدأ أعظم مرجحة، في الرفع من السجود، فنرى تحتنا كور الحلو مر، واللقمة، تقف مثل قبة أبو شملة ، آآآآآه ما أعظم رمضان. إن الله يحبنا (ويرفعنا إلى عليين كما نشتهي)، وكنا ننتنافس في الصعود إلى رأس ود الجبارة، كان الأطول بين كل المصلين.
} ماذا تبقى لك في الذاكرة من رمضان زمان؟
– لرمضان في ذاكرتي أحاسيس كثيرة وبحسب شغل أبي صمنا في عدة مدن، الدويم ، العسيلات، كسلا، وفي بورسودان، ولكل صوم عوالمه، وفي الدويم كان الصوم الأول، ولكن لا يزال طعمه في لساني، كنت حينها أظن الصوم أن تأكل مع الناس في الشارع، أليس هذا تعريفاً حسناً له؟، وكنا أنا وأختي من أسعد الناس، كأن القرآن نزل فيه، لأننا نحبه، ونحب القرآن وكنا نظن أننا أكبر من صام الشهر، ونحن فاطرين، ليس إلا، لأننا نأكل في الشارع.
} وجبة مفضلة ؟
– يقال الجوع هو أعظم الطهاة، ففي رمضان كل وجبة مفضلة، ، والجوع وسلطانه يجعل أي وجبة لذيذة، لو كانت يدك مغموسة في ملح وكسرة جافة.
} أول يوم صيام في حياتك؟
– من قال إن النهار (12) ساعة؟ أقسم بأنه ذلك اليوم كان (25) ساعة، والشمس كانت تحاكي السلحفاة، كان ذلك في الابتدائي، محاولة أولى للصوم، وجوووووع وصوت نقاط الزير كان يؤجج أنفاسي. وشعرت بأن أي زول فاطر هو إنسان سعيد، وكان يوماً حاراً، في عز الصيف، فشعرت بالماء، أي شعرت بأنها أعظم مخلوق في الدنيا، حتى أذن المؤذن، ومن عجب لم استطيع أن آكل، بل لقمة، وجغمة موية، ثم تعبت. أخرجت لي أمي عنقريب، ولأول مرة في حياتي يعتريني ثالوث المعرفة، اليقظة، والأحلام، والسرحان، ورقدت حتى أذان العشاء، وهل نمت؟ لا بل كنت نائماً صاحياً، وتداخلت الرؤى، مع وقع القرية والأذان، مع عوالم عصية الوصف.
} عادة سلبية؟
– أظن الآن كل العادات سلبية في الصوم، أحسبه فقد مذاقه، الأكل فيه أكثر، السهر في الفضائيات أكثر، فكرة الصوم وهي صفاء الذهن، وقراءة القرآن، ولكن “كرم الله” يشمل الجميع، حتى بعد هذا الإسراف.
} هل صمت خارج السودان ؟
– نعم في عدة دول، لكن رمضان السودان لا يشبه سوى نفسه، من طقوس صنع الآبري، ورش الفسحات.
} أجمل أيام رمضانية ؟
– الصوم في قريتي سابقاً، يذكرني بالسيرة النبوية، حيث يقصها علينا الشيخ “يوسف” طيب الله ضريحه، بصورة ساحرة وطيبة، حتى أحببنا حماره الذي سار به لمضارب بني سعد، ولكِ أن تتصوري قرب حميرنا، وهي تسير مع السعدية، نحو الخيام السعيدة بالطفل الأسعد.
} أخيراً ماذا أنت قائل؟
– يا لها من أيام في فجر الطفولة، وكل رمضان وحياتكم صافية ومباركة.