(نايمين نوم)
قلنا إن الأحزاب السودانية حتى الآن لم تصدق أن الحرية جاءتها في مكانها، وأن هامش الحرية الذي وجدته يكفي لإقامة قواعد لأحزابها وتطوير عملها.. حتى الآن لا تبدو الأحزاب ستتجه إلى هذا الهامش من الحرية. ومن الآن لم يقم أي حزب بتكوين لجنة في أي حي من أحياء الخرطوم، أو في أي قرية وتركوا الساحة للمؤتمر الوطني (يبرطع) فيها وحده. يبدو أنهم خلال العشرين عاماً الماضية اعتادوا على أن يأتيهم كل شيء هدية من المؤتمر الوطني والحكومة، حتى قياداتهم لم يعد لديها عمل واستمرأت الشكوى ولم تعد تفعل شيئاً.
القواعد تبنى من خلال الدعوة إلى مؤتمر عام لكل أعضاء الحزب، تمثل فيه كل المدن والأحياء بمندوب، ويتم اختيار لجنة من بين المؤتمرين. وهذه اللجنة يجب أن تمثل كل المناطق، وبعد ذلك يتم اختيار مجموعة لتقود العمل الجماهيري. والمشكلة أن معظم الأحزاب لا تعرف العمل الجماهيري لأنها لم تمارسه، وأقصد بالعمل الجماهيري أن تكون للأحزاب لجان ترصد شكاوى المواطنين. ولا تكتفي بالرصد فقط بل يجب أن يكون لها خبراء في كل مناحي الحياة، يحللون المشكلة ويضعون لها الحلول ويطالبون الحكومة بتنفيذها. وإذا لم تنفذها يقودون التظاهرات في الشوارع ويشعلون صفحات الصحف، قائلين للناس هذا هو الحل نقدمه والحكومة لا تريد تنفيذه فيحرجون الحكومة بتلك المشكلة. إن القيادات الجديدة للأحزاب انقطعت صلتها القديمة ولم تعد مستفيدة من خبراتها، فقد كان في الماضي كما أذكر لكل حزب لجان تهتم بالطلاب في المدارس وتصدر الصحف الحائطية وتدير النقاش في ساحات المدارس، ومن خلال هذا النقاش تتعلم الكوادر وتصبح لها أفكار واحدة. أذكر أن الحزب الجمهوري كان يرسل مجموعة من ستة أفراد إلى الساحات يدخلون في نقاش، ومن خلال هذا النقاش تتعلم الكوادر الجديدة لغة الحزب ومبادئه فيناهضون عنه في المرات القادمة بكل قوة.
وأذكر أن الجماعات الإسلامية كانت واقعية ولم تكن صفوية كما هي الآن. كانت الجماعات إسلامية تعرف أنها بحاجة إلى لجان في كل مكان، لذلك كانت في أي مدرسة ثانوية هناك لجنة للطلبة تتلقى محاضرات تنويرية من كبار قيادات الحزب بصورة أسبوعية وتشعر أنها مراقبة، فلا تتكاسل وتكلف بصحف حائطية تطرح أفكار الحزب. وقد انتشرت هذه اللجان خارج المدارس وأصبحت هناك لجان للأحياء وللمناطق، وبهذا اكتملت القواعد دون إعلان. وكما قال “الترابي” الذي اعترف بأنهم تعلموا من الشيوعيين أسلوب تكوين اللجان، وكان الأمر عندما يصدر من القيادة بالقيام بأي عمل تنفذه فوراً وإلا اتهمت بالتقصير. وكان الحزب الشيوعي ينشط لجانه باستمرار ويحرص على أن يكون أعضاء هذه اللجان تسير التظاهرات كل شهر تقريباً في أي قضية، حتى لو بدأت هذه التظاهرة وانتهت داخل المدرسة نفسها المهم تنشيط هذه اللجان. وكان أحد قيادات الحزب الكبيرة يحضر إلى المدرسة، وخلال فسحة الفطور يجتمع باللجنة ويوجه لهم ملاحظاته. بهذا وحده تم تكوين لجان الأحياء والطلاب وتدربت القواعد على العمل الجماهيري، وليس كما هو الحال اليوم (نايمين نوم).