البنك العسكري!!
على طريقة البيانات العسكرية المقتضبة التي تصدرها القوات النظامية بطلب المواطنين الابتعاد عن المنطقة الواقعة (..) نسبة لإجراء تمارين بالذخيرة الحية أو الإعلان عن الانسحاب لأسباب تكتيكية من المنطقة (..) وكثيراً من بيانات القوات النظامية لطبيعة نشاطها وأسرارها لا تفصح عن الأسباب ولا تبرر سلوكها إلا ما تقتضيه المصلحة التي تقدرها تلك القوات النظامية.. بيد أن البنك المركزي أصدر يوم (الثلاثاء) منشوراً لكافة المصارف، أعلن من خلاله حظر تمويل المصارف للسيارات، واستثنى البصات والحافلات.. وبالتالي ضاعت (الهايسات) والركشات والصوالين.. كما حظر البنك المركزي تمويل شراء العقارات واستثنى السكن الشعبي والسكن الاقتصادي.. ولم يرهق البنك المركزي نفسه كثيراً بتقديم تفسير لأسباب هذا الحظر، لأنه لا يرى في ذلك ضرورة، فالشعب عليه أن يستجيب لذلك.. أما لماذا الحظر في هذا الوقت؟؟ وهل لأسباب اقتصادية أم لدواعي أخرى، فالبنك المركزي (يتعامل) مع الرأي العام بقدر كبير من التعالي والازدراء غير المبرر، رغم أن محافظ البنك المركزي د.”عبد الرحمن حسن” رجل شديد التهذيب والورع وحسن الأداء، ونجح في تطوير والنهوض بمصرف أم درمان الوطني حينما كان مديراً له.. ولكنه الآن في (زمرة) عصية.
موظفو البنك المركزي الذين يمارسون سلطوية على المصارف تبلغ أحياناً حد التعسف!! ولا يأبهون للرأي العام وعامة الشعب المستفيدين من تمويل المصارف لوسائط النقل الصغيرة من التكاسي والصوالين والركشات التي تمثل مصدر دخل لآلاف الأسر الفقيرة في الخرطوم، وبعض المدن بالولايات.. ويدعي بنك السودان أنه نصير الفقراء ومشجع المصارف على تمويل صغار المنتجين، ولكنه يصدر مثل هذا المنشور دون حتى توضيح ما إذا كان هذا الإجراء مؤقتاً أم لا؟؟
وهل تمثل هذه القرارات العشوائية غير المسنودة بأي حيثيات اقتصادية، يمكن لبنك السودان خفض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف بعد أن تجاوز التسعة جنيهات والنصف في السوق (الحقيقية) التي تحدد سعر الجنيه، فلجأ بنك السودان للقبض على تجار العملة والسماسرة والمضاربين.. وهي سياسات عقيمة وغير ذات جدوى وظللنا منذ حقبة الديمقراطية الثانية نشهد إلقاء القبض على تجار العملة والزج بهم في المعتقلات ومصادرة أموالهم دون وجه حق، والدولار صاعد سعره دون توقف.. فهل بالإجراءات التعسفية وبسط سلطان الشرطة يمكن معالجة الأزمات الاقتصادية، ومنذ متى وأين وكيف لوزارة الداخلية أن تحقق استقراراً في سعر الصرف.
وهل وقف تمويل السيارات والعقارات سيؤدي لنتائج إيجابية على صعيد استقرار الجنيه.. أو حتى تشجيع المصارف على تمويل الزراعة والإنتاج، وقد أحجمت المصارف عن تمويل الزراعة ومدخلاتها بسبب الخسائر الفادحة التي تعرضت لها، والكساد الاقتصادي وانسداد قنوات الصادرات؟؟
إن بنك السودان حينما يلجأ لاتخاذ قرارات تعسفية إنما يثبت مرة أخرى، أن اقتصادنا في محنة حقيقية وأزمات بلادنا ستظل بلا حل لأمد ليس بالقريب.