بلاغ ضد «المهدي».. سلوك حضاري أم مطب أمام قطار الحوار ؟
(الانتقاص من هيبة الدولة وتشويه سمعة القوات النظامية وتهديد السلام العام وتأليب المجتمع الدولي ضد البلاد، مما يعد تغذية للفتنة وتهديداً للسلام العام بالبلاد)، هي تهم غاية في الخطورة، وقد يبدو للوهلة الأولى أنها موجهة لبعض قادة التمرد والحركات المسلحة، لكنها تهم هذه المرة برئ منها (عقار وعرمان والحلو) وغيرهم من أعداء النظام. وقد يبدو أن الأخطر من التهم نفسها، الشخص الواقع تحت طائلة هذا الاتهام، وهو السياسي المعارض الأقرب للنظام، وأحد أبرز من تعول عليهم الحكومة في هذه المرحلة التي تسودها أجواء الحوار.نعم إنه “الصادق المهدي” إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي، ووالد مساعد رئيس الجمهورية العميد “عبد الرحمن” وقد وجهت تلك الإتهامات ضده من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
حيثيات الاتهام
في السابع من مايو الحالي أي قبل خمسة أيام من تحرك جهاز الأمن لتدوين بلاغ جنائي ضد “الصادق المهدي”، شن الرجل خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بدار حزبه بأم درمان هجوماً حاداً على قوات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن الوطني، والناشطة في العمليات العسكرية بمناطق دارفور وجنوب كردفان، واتهمها بالتسبب في حرق القرى ونهب الأملاك واغتصاب النساء، بجانب إقحام عناصر غير سودانية في الشأن السوداني. وطالب “المهدي” حينها بحصر مهام حفظ الأمن على القوات النظامية، ما يعني أن “المهدي” لا يصنف قوات الدعم السريع ضمن القوات النظامية. وحذر من أن الأمر في حال لم يتم إجراء تحقيق عاجل فيه، فإنه سيؤدي إلى بسط المجتمع الدولي شبكة اتهامات عريضة ضد الجناة. بالضرورة أن لجهاز الأمن رأياً مخالفاً لما ذهب إليه “المهدي”، بل وغاضب على الرجل وهو مادفع الإدارة القانونية بالجهاز وفي خطوة فاجأت الجميع، لتدوين بلاغ جنائي ضد “المهدي” أمام نيابة أمن الدولة بالرقم (2402/2014) تحت طائلة المواد ( 159 / 60 / 66 /62) من القانون الجنائي لسنة 1991م، والمتعلقة بالنشر المسبب للتذمر وسط القوات النظامية ونشر الأخبار الكاذبة والإخلال بالسلام العام وإشانة السمعة. واتهمت مذكرة الجهاز “المهدي” بسرد معلومات كاذبة وظالمة ومسيئة عن قوات الدعم السريع .
الاستماع لتسجيل المؤتمر الصحفي
قبل اتخاذ أي إجراء وجهت إدارة جهاز الأمن الإدارة القانونية بالاستماع لشريط تسجيل المؤتمر الصحفي الذي تحدث خلاله “المهدي” عن قوات الدعم السريع. وعلمت (المجهر) من مصادر واسعة الإطلاع، أن الإدارة القانونية استمعت لتسجيل المؤتمر كاملاً، وبعدها عكفت على صياغة عريضة البلاغ ضد “المهدي”. وتوجهت بها تلقاء نيابة أمن الدولة التي قبلت العريضة. وأكدت المصادر أن الخطوات التالية من مهام النيابة.
توقيت الخطوة
أخطر ما في هذا التصعيد ضد من يوصف بأنه الحليف الأقرب للنظام، أنه أتى في توقيت تجتهد خلاله الحكومة لحشد أكبر عدد من القوى حول مبادرة الحوار التي طرحها الرئيس “البشير”. ومعلوم أن “المهدي” هو أشد المؤيدين لمحاورة النظام، وتعتمد الحكومة على وزنه ووزن حزبه الجماهيري لتوظيفه لصالح إنجاح الحوار. وهو الأمر الذي يغذي اتهامات رائجة حول وجود مراكز قوى داخل النظام، لا يعجبها المسار الجديد للحكومة وحزبها الحاكم تجاه الحوار، وتسعى لإفشاله قبل أوان نضجه، وهو ما صرح به أحد قيادات حزب الأمة متهماً جهات داخل النظام بتعمد إفشال الحوار.
حزب الأمة يحترم ويستنكر
الفريق “صديق” نائب رئيس حزب الأمة القومي عمد إلى التقليل من أهمية ماقام به جهاز الأمن ضد الإمام “الصادق” بقوله: (الموضوع ده عادي جداً)، مؤكداً أن حزب الأمة يحترم القانون، وقال إن “المهدي” مواطن عادي يخضع للقانون. وقطع بأن “الصادق” سيمثل أمام النيابة متى ما استدعته، لكن الفريق “صديق” بالمقابل استنكر اتجاه جهاز الأمن للإعلان عن فتح البلاغ عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة. وقال لـ(المجهر) أمس(الثلاثاء): (البلاغ أمر مشروع ولكن ليس عبر الصحف).
الأمة يساند تصريحات الإمام
عقب تأكيده على احترام حزب الأمة ورئيسه للقانون، لفت الفريق “صديق” إلى أن “الصادق المهدي” زعيم سياسي لأكبر حزب في البلاد، ومعبر عن نبض الشارع. وأكد أن ما قاله “المهدي” بحق قوات الدعم السريع، يمثل إرادة ونبض ورأي الجماهير في دارفور وكردفان. ودافع الفريق “صديق” بشدة عن تصريحات الإمام قائلاً: ( لدينا ما يؤكد صحة ما قاله الإمام فنحن حزب كبير ولا نتحدث إلا بعد تقصي ودراسة مستوفية لكافة الوقائع). وأضاف: (مستعدون للدفاع عن مواقفنا أمام القانون حتى يعلم الناس أننا لا نتحدث من فراغ).
تأثير الخطوة على الحوار
(لاعلاقة لهذا البلاغ بالحوار على الإطلاق)، هكذا كان حاسماً الفريق “صديق” في نفي تأثير الخطوة على مسار الحوار الذي يُعد حزب الأمة أحد أهم اللاعبين في ساحاته.ونبه “صديق” إلى أن حزبه يتواصل في شأن الحوار مع رئاسة الجمهورية مباشرة وليس مع جهاز الأمن. وقال: (من حرك البلاغ هو جهاز الأمن وليس المؤتمر الوطني ولا الرئاسة)، مؤكداً أن حزب الأمة سيمضي بجد نحو الحوار، لأنه يفصل تماماً بين قضية الحوار وغيرها من القضايا بما فيها هذا الإجراء القانوني. إلا أن الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي المشارك في الحوار “كمال عمر”، حذر من تأثير هذه الخطوة على مسار الحوار. وقال: (ما حدث ضار جداً بمناخ الحوار وأتى في وقت غير مناسب). واستنكر لجوء جهاز الأمن لفتح بلاغ ضد “المهدي”. وقال: (المهدي طرح رأياً ولجهاز الأمن وسائله للرد عليه وتصحيح أو نفي المعلومات التي ساقها). وأضاف: ( الكلام يناهض بالكلام وليس باللجوء للنيابة). ووصف “كمال” ذلك بأنه (معكر لصفو الحوار). وبالمقابل استبعد المحلل السياسي بروفيسور “حسن الساعوري” أن تتسبب الخطوة في تراخي “المهدي” تجاه الحوار. وقال لـ(المجهر): (الصادق متفهم للواقع ويعلم عواقب التراجع عن الحوار لذلك سيمضي في هذا الطريق)، إلا أنه حذر من أنه في حال إصرار الجهاز على مواصلة الإجراء القانوني، سيفتح الباب أمام القطاعات الرافضة للحوار داخل حزب الأمة فتؤثر على موقف الحزب.
استعداء “الصادق المهدي”
قد تبدو الخطوة رغبة من جهة ما لاستعداء “المهدي” المتصالح مع النظام في كثير من القضايا، هذا ما حذر منه بروفيسور “الساعوري” متسائلاً: المهدي زعيم حزب كبير ومتعاون مع النظام، فهل يرغب النظام في استعدائه عبر تعريضه لمحاكمات)؟. ورغم استنكار “الساعوري” اتهامات “المهدي” ضد قوات الدعم السريع باعتبارها قوة نظامية لا ينبغي أن تقحم في صراعات سياسية، إلا أنه رفض خطوة فتح البلاغ قبل الجلوس مع “المهدي”، وتنبيهه إلى أن الدعم السريع قوة نظامية. وقال: (بعدها إن أصر على موقفه وكرر الاتهام فيمكن أن يلجأ الجهاز للقانون). وأقر “الساعوري” بوجود قيادات داخل الوطني تختلف مع الرئيس حول قضية الحوار، لكنه استبعد أن يكون لها تأثير. وقال: (هؤلاء ليست لهم القوة ليخرجوا عن الخط السياسي للحكومة).
سلوك حضاري
بالمقابل فإن هناك مصادر أخرى ترى اتجاه الجهاز لتقييد بلاغ ضد سياسي مسلك حضاري. في وقت سابق كان الجهاز يلجأ لاقتياد “المهدي” وغيره من السياسيين للمعتقلات دون حاجة لتقييد بلاغات.
التدخل السياسي لتفادي الضرر
الأمين السياسي للشعبي “كمال عمر” توقع تدخلاً سياسياً من القيادة السياسية للدولة، لتفادي آثار الإجراء ضد “المهدي” على مجمل عملية الحوار، إلا أن بروفيسور “الساعوري” استبعد تدخلاً سياسياً مباشراً من الوطني أو الحكومة. وقال: (لا يحق لهم التدخل في الإجراءات القانونية)، إلا أنه رجح أن يتم التدخل عبر وزير العدل لمعالجة الأمر قانونياً.