حرب الصحفيين !
حرب ضروس تلوح حشودها في الأفق بين الصحفيين ووزارة العدل في أعقاب حادثة توقيف الدكتور “ياسر محجوب” رئيس تحرير صحيفة (الصيحة) ومثوله أمام نيابة الصحافة على خلفية الخبر الخطير المتعلق بما سمَّته صحيفته أو أوحت به فساد وكيل وزارة العدل، وقد ذم الصحافيون ما سمَّوه طريقة متعسفة في اعتقال الدكتور “ياسر” المحوا فيها إلى أن وكيل العدل استخدم فيه سلطاته وصلاحياته!
المؤسف والأمانة تنطق والحق يقال إن الصحافة ومع حرصها وحماستها الكبيرة والبائنة لكشف ملفات الفساد وهو ما أشدنا به وآزرناه في غير ما مرة تبدو وكأنها ترفض في مكابرة غريبة وغير لائقة حتى مجرد حق الآخرين في الدفاع عن أنفسهم، أن تتهم صحيفة مسؤولاً أو شخصاً من العامة بأنه فاسد ولص وتورد في ذلك مستندات أو لا تورد مسألة جسيمة لأنها إن صدقت فالمفترض بالسلطات وعدالة الدولة أن تضبط هذا اللص وتخرجه خاسراً مذموماً من صفها خاصة إن كان كبيراً أو مقدماً وأما إن لم يكن الحديث والخبر مصدوقاً فالطبيعي والمتفق عليه أن من حق المتضرر اللجوء إلى القضاء وهذا يعني ببساطة إجراءات بلاغ وتحري وربما حبس وإطلاق بعد حين لأغراض الإجراءات المتبعة في مثل هذه الأمور.
ما أحسست به أن الصحافة مارست مجتمعة شيئاً من الترهيب بمدفعية الأقلام، قد تكون اندفعت في ذلك من واقع حمية وعصبية التحيز الوظيفي لزميل أو مؤسسة ولكن هذا في تقديري يجب ألا يسقط أهمية اعترافنا كصحافيين بأن من يتضرر من نشرنا وأخبارنا يملك حقاً أخلاقياً وقانونياً في الذود عن حوض كرامته وسمعته دون أن يعني هذا أنه يستهدف حرية التعبير أو يسعى لتكميم الأفواه !
في تقديري أن مجرد التزام الجميع صحافة ومجتمعاً باختيار القانون وكلمة القضاء لتكون فيصلاً فإنه في حد ذاته نجاح وتأسيس صحيح فمن أحسن يثبت له ذلك ومن يخطئ يثبت عليه ذلك وعلى الخاسر منا أو من الطرف الآخر التحلي بالشجاعة للإقرار بأنه أخطأ ومن ثم لا كبير عن الاعتذار أو العفو وفي هذا متسع لخيارات الفرقاء إن التزمنا كلنا جميعاً بهذا الأسلوب والنهج الراقي في المعالجة دونما شطط أو طغيان حينما يتمسك كل طرف بموقفه انتصارا لذاته.
لا أرى داعياً لكل هذه الضجة، الصحافة حاكمت وكيل وزارة العدل وربما تكون قد أطلقت النار على سمعته في مقتل، والطبيعي ألا يتوقع أحد منه إلا المناجزة حتى آخر أنفاسه لإثبات أنه ظلم وافترى عليه وطالما أن الصدمة الأولى لكلا الطرفين قد تم تجاوزها ودخل الطرفان في المرحلة العملية من سير إجراء التقاضي ما لم يقع طارئ فلنرَ كلمة القضاء وفصله فليس في الأمر شاهد وضحية وإنما هو صراع يتمحور الآن حول الشرف والنزاهة للصحافة كأداة رقابة ومنبر وعي وللمنصب العام لكونه غير محصن من النقد والتصويب والتعريض به فإن فسد فليذهب للجحيم وإن صلح فإن الجحيم في انتظار آخرين.