رأي

طبيعة التجاذبات في المؤتمر الوطني بعد دعوة المائدة المستديرة!!

المشهد الدراماتيكي الذي جسد إيقاعات دعوة المائدة المستديرة والحوارات الكثيفة التي أجراها رئيس الجمهورية مع الدكتور “الترابي” والإمام “الصادق المهدي” وإطلاق الضمانات لحاملي السلاح للمشاركة في التفاهمات المرتقبة، ترك وراءه زخماً مهولاً وحراكاً أسطورياً على المسرح السوداني.
ها هي الإرهاصات المدهشة تتمثل في استعداد “ياسر عرمان” لزيارة الخرطوم وظهور الإشارات التفاؤلية من قادة الشعبي وبعض شرائح اليسار، فضلاً عن قيام الإجراءات العملية من جانب الحكومة لتهيئة مناخات المحاججة والحوارات بين أبناء الوطن الواحد.
فالشاهد أن رئيس الجمهورية ينفرد بعملية التحولات العميقة الحالية في الخارطة السياسية من خلال مشهد يخطف الألباب والأبصار، ومثل هذه الإيقاعات الرئاسية الكثيفة بغض النظر عن أبعادها وتطوراتها في المستقبل فهي تلامس أوتار قيادات المؤتمر الوطني في إطار مراجعة أوضاعهم وتحسس خطواتهم في حدود التناغم مع تحركات الرئيس الواضحة.
الآن تتشكل معادلات السلطة وموازين القوة في المؤتمر الوطني من خلال الوصول إلى قراءة أفكار رئيس الجمهورية ومحاولة التقرب إلى خطواته والتعبير عن منهجه الحالي. ومن هذا المنطلق سيكون بيت القصيد هو الرئيس “البشير” صاحب السلطة القابضة في الدولة.
ولا يختلف اثنان في وجود مراكز قوة ودوائر استقطاب في أروقة المؤتمر الوطني منذ سنوات عديدة تمشياً مع الناموس السائد الموجود في طبيعة الأحزاب السياسية، غير أن تلك الحالات ازدادت وتيرتها ارتكازاً على تطورات الأوضاع الماثلة للعيان حتى وصلت الأمور إلى وجود أجنحة متصارعة في باحة حزب الأغلبية الحاكم، وإذا كانت نوازع السلطة وتأثيرات الحكم تساعد على بروز الخلافات وقيام الدوائر والأجنحة والتنظيمات السياسية، فإن ما يتشكل الآن في الساحة من إجراءات عميقة ومراجعات خطيرة يغذي الشعور بالخوف والترقب والحذر والتفكير الجاد على مقابلة التحديات المتوقعة.
ومن هنا يبرز السؤال المنطقي.. ما هي الأجنحة المتصارعة في المؤتمر الوطني؟ ربما تكمن الإجابة الواضحة في أن هذه الدوائر والأجنحة تطبق أجندة قائمة على تعطيل برامج وأفكار بعض المجموعات الأخرى في الحزب، وتقديم الرؤية للرئيس “البشير” في قوالب محسوسة وغير مرئية في آن واحد، فالثابت أن هنالك حوالي خمسة مجموعات قامت في المرحلة الحالية، حيث إن الكبار “طه” و”نافع” يلتقيان أحياناً ويتقاطعان أحياناً أخرى انطلاقاً من الحالة الظرفية، بينما يحاول “صلاح قوش” البحث عن موقع جديد ومصادمة الكبار. وبذات القدر توجد المجموعة التي تعشق الوصول والتلاحم مع “الترابي”، وأيضاً تقف مجموعة (سائحون) من خلال أمينها “أبو بكر محمد يوسف” من زاوية الحوار الشامل والانفتاح على الكافة.
لم تعد الحركة التي تموج داخل المؤتمر الوطني من سياسات وجماعات وأهداف سراً على أحد، فالصورة من داخل الكيان الحاكم صارت معكوسة على الهواء الطلق. وصار الشارع العام بحسه السياسي وإدراكه العميق مشدوداً بالتقاط ما يثار حول طبيعة التجاذبات والتقاطعات في أروقة المؤتمر الوطني.
لقد تهاوت القدرة التنظيمية القديمة للإسلاميين حول إتقان حجب المعلومة أمام عاصفة الألفية الثالثة، وتلاشى عصر الأسرار، وصار راعي الضأن في البادية يدرك أن الرئيس “البشير” هو الذي يدير الماكينة.. ومن هنا تتدافع المناكب نحوه، فهو بيت القصيد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية