أخبار

استراحة (الجمعة)

قبل سنوات، أيام انسياب مال البترول ونعيم الدنيا على حكومتنا، تفتقت عبقرية أحد البياطرة السودانيين لفكرة تحسين نسل أغنامنا السودانية (التقر).. ذهب وفد حكومي إلى مملكة هولندا التي أنجبت عباقرة كرة القدم من “فان باستن” وحتى “روبين” و”فات بيرسي” و”بيركام وكولفيرت”، وصدرت لأمريكا والبلاد العربية الزهور والألبان ومشتقاتها.. وكان نصيب السودان من صادرات هولندا (تيوساً) ذات شعر كثيف.. جاءت الحكومة بتلك (التيوس) لتلقيح حسناوات أغنامنا السودانية لزيادة إنتاج ألبانها وتحسين لحومها.. تم توزيع (التيوس) على الولايات المنتجة للأغنام.. وبثت الجهات المستفيدة من صفقة التيوس دعاية كثيفة عن مآثر (تيوسها)!! وحددت الشركة الحكومية صاحبة التيوس مبلغ ألف جنيه ثمناً (للتيس) الواحد، وهو مبلغ يساوي سعر عشرة تيوس سودانية في ذلك الوقت..(تيوسنا) تتبول على أقدامها وتصبح لها رائحة كريهة للرعاة ومحببة لأنثى الماعز. و(تيوسنا) (تتلبلب) واللبلبة هي إصدار صوت يدغدغ مشاعر أنثى الغنم ويثير شهوتها الجنسية.. لكن (التيوس) الهولندية تفتقر لأهم مقومات (التيوس). طلب أخي الأكبر “حسن الرفاعي” أن (أقرضه) مالاً لشراء (تيس) لتحسين نسل غنمه والاستفادة منه في تحسين نسل أغنام أهل القرية بعائد مالي محترم.. قلت لـ”حسن” سنساعدك في شراء (التيس) فقط من أجل تحسين نسل (غنيماياتك) أما مسألة استخدام (التيس) تجارياً والاستفادة من عائدات تحسين نسل غنم القرية فالمسألة تحتاج إلى فتوى شرعية.. هل يجوز ذلك؟؟ أم يعتبر المال الذي تحصل عليه من (التيس) حراماً شرعاً من عائدات بيوت البغاء والدعارة، حيث استهوت “الخرطوم” قبل الثورة المهدية تجارة كهذه. وأخطر كتاب وثائقي قرأته في حياتي عن سكان “الخرطوم” تحت ظل الحكم الثنائي وهو كتاب محظور وممنوع من قبل السلطة، لأنه يكشف عن مصادر أموال بيوت كبيرة وأسماء نطلق عليها الآن ألقاب رجال أعمال وأهل خير وعطاء، ولكن مصدر ثروتهم (بيوت دعارة) في “الخرطوم” و”أم درمان” وملاهي ومراقص وبارات للخمور.
} اشترى شقيقي (التيس) الهولندي وجاء به إلى حظيرة أغنامه وصنع له راكوبة صغيرة من حرارة الشمس، وأغدق عليه من العشب الأخضر والأعلاف و(التيس) جاثم على ركبتيه حزين كئيب بشعره الأجعد الكثيف وعيونه العسلية.. بينما (السخيلات) السودانية تتقافز من حوله في همة ونشاط وقد نفرت منه العنزات ورفضن الاقتراب لإحساسهن بغرابة لونه وجسمه وشعره، فالماعز السوداني أيضاً لديه كبرياء وعزة نفس.. يرفض التدخل الجنسي الأجنبي حتى لو كان من بلاد الزهور والأغوار .. لم تعجب أي عنزة سودانية بالتيس الهولندي المسكين.. لأنه لا يتبول على رجليه ولا (يلبلب) ويغازل أنثى الغنم، التي تأبى عزة نفسها عليها الاقتراب من الأجنبي ومعاشرته، حتى لو لم تنجب طوال عمرها.. والتيوس في بلادنا عل قفا من يشيل.
وعندما شعر “حسن” بكساد مشروعه ونفور غنمه من (التيس) الهولندي غريب اليد واللسان.. فكر في التخلص منع بأي ثمن فعرضه بنصف قيمته في سوق (الحاجز) أكبر أسواق الماشية بغرب السودان، ولكن اكتشف أن كل (التيوس) الهولندية التي جاءت بها الحكومة رفضتها الغنم السودانية.
وسرعان ما هزل (التيس) وضعف جسده وبات وجوده وسط الماعز خطراً على القطيع.
وفي إحدى الأمسيات مات (التيس) الهولندي (فطيساً) فالتهمته كلاب القرية، وضاع مليون جنيه كان كفيلاً بشراء بقرة صفراءَ فاقع لونها تسر الناظرين!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية