الديوان

«آسيا» حرم الموسيقار «بشير عباس»: زوجي أعظم موسيقار في السودان

السيدة “آسيا محمد موسى” حرم الموسيقار “بشير عباس” رغم تقدمها في السن إلا أنها ما تزال محتفظة بجمالها.. لونها ذهبي وعيونها واسعة.. راقية ومثقفة وحكيمة، بالإضافة إلى أنها ربة منزل ماهرة أتاحت لي الظروف أن أكون ضيفة على مائدتها الشهية، وأكاد أجزم أنها وضعت كل طيبتها وحنانها في كل أصناف الطعام التي قدمتها لنا ولا يزال مذاقها في فمي، وهذا يؤكد بأن أناملها لا تقل مهارة عن أنامل زوجها.. لمساتها في البيت واضحة، تدل روعة الإبداع والألحان الرائعة التي أهدانا لنا الموسيقار “بشير عباس” أن مقولة (وراء كل رجل عظيم امرأة) انطبقت عليها تماماً، كيف لا وعظمتها توقع بمداد من الصبر والحنكة على تفاصيل حياتها وأسرتها.. (المجهر) جلست إليها وخرجت منها بهذا الحوار الشيق!!
} في البداية سألناها عن سر تميزها في الطبخ؟
فردت قائلة: الممارسة أكسبتني المهارة والتجويد في الطبخ، هذا غير عشق “بشير” للأكل البلدي.
} وما هي أكثر الأصناف التي يحبها؟
– يحب (الكمونية) لدرجة بعيدة و(الكسرة بالملاح المفروك).
} تحدثي لنا عن “بشير” الفنان والإنسان؟
– بشير الإنسان رجل بسيط و(على نياتو).. (وهو بجد شخص نادر يحمل كل الصفات الطيبة).. وحقيقة مهما تحدثت لا أستطيع وصفه لكم، ولكن في الآخر أقول هو رجل عظيم وطيلة حياتي معه لم أسمع منه (كلمة شينة).. أما “بشير” الفنان، فهو فنان عظيم عشق الموسيقى وأعطاها كل وقته وجهده وأعطته التميز والتفرد، ووصلت به إلى العالمية وقبل كل شيء أعطته حب الناس.
} احكِ لنا عن قصة أول لقاء جمع بينكما؟
– تنهدت قليلاً ثم قالت.. زمان في إجازة المدارس كان طلاب الثانويات يذهبون للعمل بالوزارات والوحدات الحكومية وأثناء فترة عملي بالإدارة المركزية للهيئة القومية للكهرباء رآني هناك وسأل عني أحد أقاربي الذين يعملون في نفس الإدارة، وعلى الفور تقدم لخطبتي، وبعد الزواج اكتشفنا أننا أقرباء، فأهلي من (شايقية أبو حليمة) وأهله من (شايقية الحلفاية).
} ألم تأخذي شيئاً من إبداعه؟
– كل الذي أعرفه أنني معجبة جداً بكل أعماله الفنية وبلمساته الموسيقية الساحرة وألحانه الباهرة، وكل ما يقدمه من فن راقٍ.
} ألم تشاركيه الغناء أو الدندنة؟
– للأسف الشديد (ما بعرف أغني)، ولكن أنا مستمعة جيدة وكل مقطوعاته الموسيقية وألحانه الغنائية تطربني.
} المعروف عن الموسيقار أنه يؤلف كل مقطوعاته الموسيقية ويضع معظم ألحانه خارج أسوار البيت.. ألم يزعجك هذا الأمر؟
– نعم “بشير” لا يلحن بالبيت، ومعظم ألحانه كانت بالجنوب وأنا مثلكم تماماً لا أعلم شيئاً عن ألحانه وأفاجأ بها مثل الآخرين وأبدي إعجابي بها، ومسألة الانتقال لتأليف ووضع الألحان خارج البيت لا تزعجني.. أنا أقدر عمله الإبداعي وأعرف أن ميلاد اللحن يحتاج إلى أجواء وطقوس معينة، والمقطوعة الوحيدة الذي تابعت لحظات ميلادها كانت من أجلي وبعد أن فرغ منها تماماً قال لي هذه المقطوعة اسمها (آسيا) وفرحت بها كثيراً.
} وكيف كان إحساسه لحظة انفصال الجنوب؟
– عند إعلان انفصال الجنوب دخل “بشير” في حالة حزن امتدت طويلاً وهذا لارتباطه الوجداني بأرض الجنوب.
} وكيف استطاع الخروج من حالة الحزن هذه؟
– ربما جو الأسرة، لأن “بشير” ينتمي لأسرة فنية ومعظم أخوته فنانين، وكنا نقيم في بيت الأسرة جلسات فنية جميلة تغني فيها أختاه أسماء وليلى.. (وبالمناسبة أخواته أسماء وليلى لو مشوا للمسارح ح ينافسوا البلال).
} على ذكر هذه المجموعة المبدعة (البلابل).. هل كنت تغارين منهن أيام زمان في بداية ارتباطهن الفني بالموسيقار “بشير”؟
– شيء طبيعي أن تغار أية امرأة على زوجها، وبالنسبة لـ(البلابل) لم أغر منهن لأنهن ثلاث.
} ما هي أكثر الأغاني التي نالت إعجابك من ألحان “بشير”؟
– كل الأغنيات التي لحنها تعجبني، لكن أغنية (موجة) من الأغاني التي لها مكانة خاصة عندي، بالإضافة إلى أغنية (رجعنالك) التي تحرضني دوماً على العودة إلى أرض الوطن (بعدين بشير ما عندو لحن أو مقطوعة غير مميزة)، بدليل أن كل الشعب السوداني مفتون بأعماله التي لحنها لـ(البلابل).
} حدثينا عن تجربتك مع الاغتراب والهجرة؟
– عشت أياماً جميلة في الإمارات، وعملت هناك لفترة من الزمن وبعدها هاجرنا إلى كندا وقضيت فيها أجمل أيام عمري، وكندا طبعا أصبحت وطني الثاني، لكن رغم ذلك السودان حبيبي وطني الغالي.
} لماذا كل هذا التنقل والترحال؟
– في فترة من الفترات كانت هناك مضايقات للفنانين بالسودان، و”بشير” لم يتحمل تلك المضايقات فقررنا الهجرة إلى الإمارات حتى يكمل أبناؤنا تعليمهم، وأمضينا بها سبع سنوات ولكن واجهتنا مشكلة في التحويلات لأن ابنيّ “محمد” و”أبو بكر” كانا صغيرين، وحتى نستطيع إكمال تربيتهما وتعليمهما سافرنا إلى كندا.
} أبناؤك هل فكروا في الاتجاه الإبداعي على خطى والدهم أم حدد لهم اتجاهاتهم؟
– بالعكس “بشير” ليس بالشخصية المتسلطة، وكانت لهم الحرية المطلقة في اختياراتهم.. فمثلاً ابنتي “ألحان” دكتورة و”محمد” مهندس حاسوب، وأخيراً “أبو بكر” مهندس سيارات، و”أشرف” ربما هو الوحيد ذهب في مجال والده ولكنه مختلف قليلاً، أما الشخص الذي نهل من إبداع “بشير” فهو “ضياء” ابن أخته وهو موسيقي متمكن وملحن موجود الآن في هولندا.
} ما هو أكثر شيء يقلقك في تجربة الموسيقار “بشير عباس”؟
– ليس قلقاً، ولكن يمكن أن تسميه (غبينة).
} كيف ذلك؟
– السودان يجهل عظمة هذا الرجل، والجهات المعنية بأمر الثقافة والفنون يتجاهلون “بشير” ولا يقدرونه ولا يعرفون قيمته الحقيقية، وهذا الشيء ليس بجديد عليهم لأنهم بطبعهم يتجاهلون ويهملون المبدعين بصورة عامة، وعندما شرعت الدولة في تكريم بعض رموز الإبداع لم يكن “بشير” من بينهم رغم أنه أعظم منهم جميعاً ومن هنا أنا أشكر الكاتب الصحفي “عامر باشاب” لأنه هو الوحيد الذي أنصف هذا الرجل.. و”بشير” بالفعل مظلوم (وما عاوزة أقلل من قيمة الناس الآخرين)، لكن “بشير عباس” يعدّ الموسيقار الأول في السودان دون منازع، ولا أعرف في السودان كيف يقيمون المبدعين، لو كانت القيمة بالإنتاج فـ”بشير” إنتاجه غزير جداً.. والشيء (المزعلني أكتر) عندما تم تنظيم مهرجان للعود قدم لنا الشاعر “محمد طه القدال” دعوة فذهبنا وأعطونا كتيباً لم تكن فيه لا سيرة ولا صورة لـ”بشير” عندها لم يستطع “بشير” الجلوس، وعلى الفور عدنا إلى المنزل، وكل هذا أعاد لذاكرتي تجاهل “بشير” عندما عاد من ألمانيا حائزاً على المرتبة الثالثة بعد منافسة (22) دولة بما فيها إسرائيل، ولحظتها انكسر قلبه (بس كتر خير أهل الحلفاية) أقاموا له احتفالاً ضخماً يليق بمكانته.
} كلمة ختام؟
– لابد أن أشيد بصحيفتكم لأنها أقامت مؤتمراً منظماً بطريقة جميلة جعلتني أتأكد أنها تحترم قامات وطنها، فالشكر أجزله لكم جميعا في (المجهر) لأنها صحيفتي المحببة وأنا من قراء عمود (شهادتي لله) أينما حلّ بأية صحيفة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية