أخبار

لا أحبها..!

تريد أن تعرف رأيي حولها.. تستدرجني بصورة ماكرة.. ترمي لي الطعم حيثما اتجهت.. تباغتني في يقظتي ومنامي.. تتحول إلى وسادة أو كرسي أو طاولة.. أشتم رائحتها في الدولاب.. وداخل غرفتي المغلقة.. وعلى مكتبي حيث أعمل.. وحين أتحدث تراقبني وتسعى لتلقيني.. وإذا خالفتها تكشر عن أنيابها وتكاد تضع شريطاً لاصقاً على فمي.. تريدني أن التفت يميناً حين أنظر لليسار.. وأن التفت يساراً حين أنظر لليمين.. ولأني لا أجيد مسك العصا من نصفها فقد أعلنت عليَّ الحرب.. ثم مارست الحكمة فهدأت من غضبها دون وعد مني بأن أتعلم لعبتها أو أدخل في محرابها عملاً بالمثل الذي يقول (أبعد عن الشر وغنيلو)..!.
وما زالت تلاحقني.. تتربع على شاشة التلفاز.. وتتمدد في موجة المذياع.. وتنام على الصفحة الأولى في كل الصحف.. واسمها يتردد صداه بين (المايكروفونات) المنتشرة هنا وهناك..!.
يجادلونني دائماً كي أرضي عنها وأتصالح معها.. وينصحونني بضرورة أن لا أخسرها أو أتبرأ منها.. فهي كما قال لي أحد الأصدقاء وحدها التي ستفتح لي أبواب الحياة كلها.. ووحدها التي ستمهد لي الطريق كي أخطو للأمام.. ولكنني كنت أقول لها (لا أستطيع أن أفعل شيئاً لا أحبه.. وأن أمارس طقوساً لا أجيد فنونها.. وعلى كل حال – أقول لصديقي – لست على عداء معها.. فقط لا أريد الانتماء.. أشعر أنني سأكون أفضل حين أتحرر من قيودها.. وسأنظر للحياة بشكل موضوعي أكثر وربما محايد أو على الأقل بلا تعصب..!.
وبالأمس تحلقوا يتناقشون.. كانوا ينظرون لي بشيء من الريبة والشك.. وسمعت أحدهم يهمس لمن يجلس بجانبه (هذا رجل غامض) فيقاطعه من كان يهمس إليه بالقول: (إنه يحبها ولكنه (بتعزز الليمون).. وهنا كان لابدّ أن أتدخل لا معترضاً على هذه (النميمة) ولكن فقط كي أعرف وصفاً ألصقوه بي ولا أفهم معناه.. سألته : يعني شنو بتعزز الليمون؟.. فضحكوا جميعاً وأخذوا يغنون بأصوات قبيحة :
والله قال بتعزز الليمون
عشان بالغنا في ريدوا.. الخ
ولم أمتعض بل غنيت معهم
فالغناء هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجمعني بهم.. وتذكرت الفنان النوبي (محمد منير) وهو يردد في فيلم (المصير) أغنية من طراز فلسفي عميق : (على صوتك بالغنا.. دي الأغاني ممكنة)!!
لماذا يريدونني أن أرتبط بها.. وأن تكون الشيء المهم الوحيد في حياتي.. كثيرون يعيشون بغيرها ويتنفسون بشكل أفضل دونها.. ثم ليس بالضرورة أن أكون (باراً) و (مخلصاً) و (غيوراً) فقط حين أعترف بها وأوقع على دفتر حضورها.. هي ليست شراً ولا مصيبة ووجودها ضروري وحاجتها فعلية.. ولكنها ليست فرض عين وإنما كفاية.. وهناك من هم مؤهلون تماماً للتحدث باسمها والمدافعة عن أفكارها.. لكن ربما ليس أنا.. حيث أجدني في أمور أخرى أكثر إندياحاً وتحققاً.. قد أجعلها صديقة.. أو حتى أزامل من حولها.. وأرافقهم بحميمية. ولكن يستعصى عليَّ أن أتورط أكثر من ذلك.. وأن أجعلها في منزلة (الحبيبة) حيث لابدّ أن أصارحها هذه المرة.. أن أقول لها وبلا تردد: إني (يا أيتها السياسة).. لا أحبك..!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية