مفاوضات الفرصة الأخيرة بأديس أبابا.. هل تتـجاوز محطة وضع الأجندة؟!
تباينت المواقف بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية (قطاع الشمال) في مفاوضات (الفرصة الأخيرة) بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، فبينما تقول الحكومة إن (اختراقاً معقولاً) حدث في المفاوضات وأن الطرفين اتفقا على الأجندة، نفت الحركة الشعبية من جهتها ذلك. وقالت إن المواقف ما زالت متباعدة وشقة الخلاف مازالت واسعة، في وقت بدأت فيه الوساطة عمل ترتيبات جديدة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، ودخل المبعوث الأمريكي الخاص للسودان “دونالد بوث” في جولات ماكوكية بين الوفدين، كما تم إرجاء عودة الدكتور “غازي صلاح الدين العتباني” إلى “الخرطوم” بعد ورود أنباء عن تقدم اختراق أحرزه رئيس حركة (الإصلاح الآن) في عملية التفاوض.
وكان وفد الحكومة أعلن من جهته عن حدوث (اختراق) وصفه بالمعقول في مفاوضاته مع (قطاع الشمال)، بعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. وقال إن الطرفين اتفقا على أجندة الحوار وأهمها قضايا المنطقتين الإنسانية، السياسية والأمنية، وأن يتحاورا حول الحوار السياسي المرتقب في السودان، في وقت قالت مصادر إن المحادثات شهدت جلسة ساخنة بحضور رئيس الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي “ثابو أمبيكي”، ومناديب من الاتحاد الأفريقي ورئيس الوزراء الإثيوبي والطرفين. وكشفت المصادر عن وصول الطرفين إلى طريق مسدود لتباعد المواقف، حيث تطالب الحركة بحل شامل وخارطة طريق واضحة وإجراءات بناء الثقة.
وقال رئيس وفد الحكومة البروفيسور”إبراهيم غندور” لـموقع (عاين) إن الجلسة ضمت طرفي التفاوض، ثلاث من كل جانب إلى جانب رئيسي الوفدين، وبحضور الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي”. وأضاف: (توصلنا ولأول مرة إلى الأجندة المتمثلة في قضايا المنطقتين الثلاث، وهي القضايا الإنسانية، السياسية والأمنية)، مؤكداً أن الطرفين اتفقا على أن يتحاورا في الحوار السياسي المرتقب في “الخرطوم”. وقال: ( كما اتفقنا لأول مرة على طريقة للعمل كانت ترفضها الحركة الشعبية في السابق، بتشكيل أربع لجان بأن تكون لجنة لكل موضوع)، مشيراً إلى أن الحركة الشعبية كانت تصر على مناقشة كل المواضيع في لجنة واحدة. وقال إن مقترح اللجان قدمته الوساطة وأن وفد الحكومة وافق عليه، باعتبار أنه يسرع من عملية التفاوض ويمكن من الوصول إلى سلام، ويوقف معاناة الناس في المنطقتين، ويؤدي إلى توقف الحرب ويقود إلى الحوار الشامل المرتقب.
وقال “غندور” إن الطرفين بعد حوار طويل اتفقا على أن ما تم التوصل إليه سيصبح الأجندة. وأضاف:(اتفقنا أيضاً أن سكرتارية الآلية رفيعة المستوى ستعمل على تقديم مرجعيات تستخرج مما تم التوقيع عليه في السابق، وما صدر من قرارات الآلية في الثامن عشر من فبراير الماضي، وقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي خاصة القرار الذي صدر في العاشر من مارس الماضي). وتابع: (أعتقد أن هذا تقدم استطعنا من خلاله أن نحدث اختراقاً معقولاً بعد أن انتهت كل الجولات بدون أي اختراق واضح). وقال: (نأمل وسنعمل نحن من جانبا عندما تصلنا المرجعيات من الآلية أن نساعدها وأنفسنا للوصول إلى سلام، ونحن كحكومة معنيون بمعاناة الناس ومهتمون بالوصول إلى اتفاق يؤدي إلى مشاركة حملة السلاح من (قطاع الشمال) في مؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد في السودان في الأيام القادمة).
وأشار “غندور” إلى أن من ضمن المرجعيات اتفاق (نافع –عقار) الذي وقع في يونيو العام (2011) والذي وقعه مساعد الرئيس السابق الدكتور “نافع علي نافع” ورئيس الحركة الشعبية “مالك عقار”. وقال “غندور” إن اتفاق ( نافع – عقار ) يتشكل من كثير من الأجزاء ومن بينه بعض المرجعيات الخاصة بالأعمال السياسية والأمنية، لكنه عاد وقال: (لكن هناك مرجعيات أخرى، كما أن سكرتارية الوسطاء ستضع كل المرجعيات أمامها لإصدار مرجعية جديدة يتحاور الطرفان وفقاً لها). وتابع (هذا لا يعني تجاوزاً للمرجعيات وإنما بروح قرارات مجلسي الأمن الدولي والسلم والأمن الأفريقي).
من جهته نفى كبير مفاوضي الحركة الشعبية “ياسر عرمان” حدوث أي اختراق في المفاوضات. وقال إن الوساطة الأفريقية قامت بمحاولة جيدة لتقريب شقة الخلاف بين الطرفين. وأضاف: (شقة الخلاف ما زالت واسعة لأن الوفد الحكومي يتهرب من قضيتي الحوار القومي الدستوري والأوضاع الإنسانية)، مشيراً إلى أن الحركة طالبت بإجراءات بناء الثقة وخارطة طريق واضحة، لكن المؤتمر الوطني يريد أن يسيطر على الحوار القومي، ونحن لن نرضى بذلك لأننا نريد حواراً شاملاً لكافة السودانيين والقوى السياسية. وأضاف “عرمان” أن الحركة طرحت وثيقة اتفاق سويسرا التي وقعت في العام( 2002)، إلا أن الوفد الحكومي رفض المقترح وقال إن الحركة طلبت من الوساطة أنها لا تستطيع الذهاب إلى تشكيل اللجان الأربع، إلا إذا كان مربوطاً باتفاق إطاري. وأوضح أن الخرطوم وافقت على اتفاق (نافع – عقار) الموقع في يونيو، فيما يخص اللجنة السياسية والأمنية.
وكان الدكتور”غازي صلاح الدين” عقب لقائه وفدي الحكومة و(قطاع الشمال)، قال إن الرئيس “أمبيكي” يبذل جهوداً كبيرة للتقريب بين الطرفين، برغم وجود خلافات واسعة في بعض القضايا. وذكر”غازي” للرئيس “أمبيكي” أن وقف الحرب وتحقيق السلام الوطني هو المدخل الحقيقي لعلاج مشاكل السودان. وأعلن أن هناك تقدماً محدوداً يتمثل في التوافق على (وضع الأجندة)، لكنه رأى أن هناك إرادة سياسية موجودة لتجاوز العقبات برغم اختلاف المواقف.
ويرى أستاذ العلوم السياسية البروفيسور”حسن الساعوري”أن إستراتيجية (قطاع الشمال)، لم تعد مع الاتفاق في “نيفاشا” بالنسبة لـ(المشورة الشعبية)، حيث التزمت الحكومة بإجراءاتها، ولم تخل بأي بند منها، إلا أن القطاع أضاف القضايا القومية المطروحة في الحوار الوطني. ويرى أن (قطاع الشمال) يمكن أن يطرح القضايا القومية والإصرار عليها لو وجد تفويضاً من الأحزاب السياسية فلامانع وقتها للحكومة أن تقبل التفاوض وفقاً لذلك، أما عن كيفية اختراق المفاوضات لجهة إحداث تقدم نحو الاتفاق النهائي فيرى “الساعوري”، أن ما يحدث هو فقط تنازل (قطاع الشمال) عن طرح الأجندة القومية. ويقول إن الأمر الآخر ما تمثله المشورة الشعبية التي لا تتحدث عن اقتسام السلطة في الحكومة الاتحادية مثل منح الحركة منصب نائب الرئيس أو غيره، والبلاد مقبلة على انتخابات بعد (8) شهور. ويضيف الحكومة ليس أمامها فرصة لتقديم التنازل، مع ملاحظة أن الحكومة قبلت بكل مقترحات الوساطة، وهي في ذات الوقت لاتستطيع القبول بالقضايا السياسية لأن ذلك من حق الأحزاب.