لعلها تأتي بخير..!!
تبدأ اعتباراً من اليوم وغداً جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، حول قضايا المنطقتين بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.. الجولة الجديدة تنطلق وسط متغيرات الحراك الإيجابي لمساحات الحريات الحزبية التي أطلقت أخيراً، حيث اكتظت الساحات والميادين بالقوى الحزبية المختلفة تعرض بضاعتها وتسوق مواقفها، الموضوعي منها وغير الموضوعي. وإزاء هذا التطور فالمأمول أن تشهد الجولة استلهاماً من هذه الروح إن خلصت نوايا الطرفين.. وحيث إن نية الحكومة حتى الآن تبدو أقرب للنزاهة في قضية الحوار، فإن المسؤولية تلقى بغير قليل من الحمل على الطرف الآخر في أن يتقدم خطوة إلى الأمام خارج مربع التزمت والاعتساف الذي جعل كل الجولات الماضية تنتهي لتبدأ من جديد.
لن تكون المهمة سهلة على البروف “غندور” ووفده المرافق، إذ من الواضح أن شبح حلفاء “ياسر عرمان” في الجبهة الثورية يقيد الرجل عن أية خطوة لصالح السلام، وهو لن يكون مستعداً للتنازل عنهم لأنه بذلك يجلس القرفصاء بلا حماية أو غطاء، فبعد عطر منشم الذي اندلق بين الرفاق في الحركة الشعبية الأم، لم يعد من سبيل لـ”عرمان” إلا تشبيك تحالف جديد يتيح له مظلة يتحرك تحتها، وراية يرفعها في المنابر ومواقيت النضال، ولهذا فإن الموقف من سلبية وإيجابية محصلة الجولة الحالية تحدده ثلاثة عوامل، الأول مدى انتزاع “عرمان” نفسه من الارتهان لبيانات “مني أركوي” و”جبريل إبراهيم” ومنهجية الابتزاز التي تثير عنده الفزع فترده عن سليم المعتقد في التفاوض برمته إلى سقيم خذلان الناس في مشروع السلام جملة.. وأما العامل الثاني، وهو غائب حتى الآن، فيتمثل في قدرة الوساطة على أن تكون أداة مؤثرة في ضبط مسار العملية التفاوضية من حيث الموضوعات والأجندة، وأن تكون التفاهمات التي يتم التوصل إليها في كل جلسة ملزمة بحيث يتجاوز الطرفان إشكالية كلام الليل يمحوه النهار الذي تمارسه الحركة الشعبية.
العامل الثالث مشترك بين أبناء المنطقتين في الوفد الحكومي ووفد التمرد، فبغض النظر عن ماهية القيادة السياسية والرمزية الحاكمة لكل وفد سواء أكان البروفيسور “غندور” أو “ياسر عرمان”، فإن نظر أبناء النيل الأزرق وجبال كردفان بعين الرحمة إلى أهلهم وعشائرهم في حد ذاته دافع يجب أن يكون أقوى من أية عصبية سياسية وولاءات، ويكفي حجم الرهق والمعاناة التي سببتها الحرب ويدفع ثمنها وفاتورتها الأبرياء والمساكين في المنطقتين دون غيرهم، وإن كان هؤلاء الأبناء بوفدي التفاوض على قلب قضية أهلهم، فالمفترض إلى جانب سير العملية التفاوضية في مسارها الإجرائي بين بنود الأمن والسياسة أن يغلب تيار أهل المصلحة ببرامجه وأهدافه في السلام وأن يعجل، ولهذا فإن تواصل طرفي الفريق خارج أطر المسار الرسمي يمكن أن ينجز شيئاً يرى فيه الناس اختراقاً جديداً لصالح السلام كمطلب شعبي وغالب..
وعموماً، دعونا نرى ما تحمل الأيام القادمات.. ولعلها تأتي بخير.