رأي

من أخطاء المرحلة الماضية

من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الحكومة وهي تحاول استرضاء قيادات الأحزاب وإن كانت صغيرة لا قيمة لها، أنها اعتبرت كل واحد منهم قائداً جماهيرياً كبيراً حتى وإن كان لا قيمة له، فكانت النتيجة أن امتلأت الوزارات بمجموعة من (العطالى) فاقدي الموهبة، يذهبون إلى مكاتبهم يجلسون تحت التكييف طوال اليوم ليتقاضون آخر الشهر مرتباتهم. والمشكلة أن كل واحد من هؤلاء لأنه لم يأتِ من تأهيل معقول وأنه يعين تحته آخر لا يفقه أي شيء، فكانت النتيجة أن امتلأت الوزارات بمجموعة من الموظفين الذين لا يعرفون أي شيء. وهم في الحقيقة مجرد أقزام فأصبحت كلها مؤسوسات أقزام ولو طلب منهم العمل بين الجماهير لن يستطيعوا أن يقولوا كلمة واحدة، لأنهم لم يدربوا ولم يؤهلوا وأسهل شيء الاستعانة بالأقارب لكسب العائلات الكبيرة ليصبحوا حماية بالنسبة لهم.
الآن امتلأت الوزارات بمجموعة العاطلين الذين لا يفقهون أي شيء في أي شيء.. يركبون أفخم السيارات ويجلسون في أفخم المكاتب لا يستطيعون العيش خارج الخرطوم ولو لخمس دقائق، وبعض الوزراء يعين موظفين من المنتمين للحزب وتكون النتيجة أن تمتلئ المكاتب (بالجهلة) الذين لم يدربوا على عمل أي شيء، ولا يستطيع الواحد منهم مواجهة أي عدد من الجماهير ولو كانوا عشرة أشخاص – المشكلة أن بعض هؤلاء جاءوا من الأرياف والقرى ولا يستطيعون العيش في هذه الأرياف، ولكنك تجدهم في ردهات الفنادق يشربون المياه الباردة والمشروبات الغازية طوال اليوم، لدرجة أن بعضهم أصابه مرض هشاشة العظام، لأنه لا يخرج إلى ضوء الشمس طوال اليوم – المشكلة أن بعض هؤلاء يأتون للوزارة لأول مرة، والمفترض أن يحاول تلمس المشاكل ولا بد من الاستعانة بمن سبقه ليكتب له عنها مع محاولات الحلول إن وجدت.
ومما أضر بالخدمة المدنية منذ أن أتيح للأحزاب تعيين قيادات منها دون تدخل الحكومة حتى امتلأت المقاعد في الوزارات، بمجموعة من الموظفين يمثلون البيوتات التي تساعد الحزب، لا يخشون الفصل من الخدمة لأنهم يمثلون عائلة وفصلهم يعني دخول الحزب في معركة مع عائلتهم. وتكون النتيجة أن يستمر الوزير في منصب لا يفقه عنه شيئاً يستعين بحاشية ضخمة من السكرتارية هي في الواقع أجهل منه بمشاكل (الناس)، يركبون أفضل السيارات ولا يستطيع الواحد منهم التجول لعشر دقائق، وكانت النتيجة أن ضاعت الفرص للكثير من الجامعيين الذين يمني الواحد منهم أنه لو لم يتعلم، وتمنى أن يكون من أحد البيوتات الكبيرة وحسب. والنتيجة أن فقد الكثير من الشباب المؤهلين الفرصة لقيادة العمل التنفيذي والتدريب الميداني، وستدفع الأحزاب ثمن ذلك عندما تأتي المنافسة الحرة ستكشف أنها ليست لديها أي قيادات مدربة تستطيع التجول في (الشمس الحارة)، وأنها مجموعة من (التنابلة) الذين لا يفقهون شيئاً.
أوجه الحديث للحكومة التي اختارت مجموعة من الموظفين الذين شغلوا مقاعد لا يكلفون الحكومة إلا الذين يغضب بعضهم، لأن سياراتهم (موديل) السنة الماضية والذين بعضهم مطمئن أنه لن يتزحزح من مقعده مهما فشل. فهو لا يمثل نفسه بل يمثل أسرته وقبيلته التي لو ترك لحركها ضد الحكومة، فهذا الوضع نأمل أن تكون نهايته المرحلة القادمة، وأن تبرز قيادات حقيقية ولا ينبغي الاعتقاد أن أبناء الأعيان ليس لديهم القدرة على القيادة، فمنهم من تربى على القيادة ويعرف كيف يقود غيره، هؤلاء يصلحون أيضاً للمرحلة القادمة بل هم الأصلح لما لهم من هيبة واحترام شريطة أن ينزلوا إلى الجماهير ولا يتأففون من الحر والغبار، ليأكلوا من ما يأكل منه الناس ويشربوا من ما يشرب منه الناس.. وبهذا تكون الوزارات قد تم تنظيفها من (التنابلة).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية