رشيتهم ليك..!!
إن الاختبار الحقيقي الذي يواجه الأطراف التي طرحت لها مبادرة الحوار الوطني سيتمثل في اختبار قدراتها ميدانياً، وعلى الأحزاب السياسية والتنظيمات التي طالما أرقت مضاجعنا بالنواح والعويل على الحريات المقيدة والمصفدة أن ترينا في الساحات وفضاء الممارسة السياسية قوتها وخطابها وفصل وقولها، وهي جماع أنشطة لست ندري هل سنرى فيها نقداً إيجابياً هادفاً ومبادرات حيوية وأعمال للوطن وتفاعل من جماهير الأحزاب في دورها ومناشطها؟ أم تتحول إلى فضاءات من ممارسة (القطيعة) السياسية والسبّ في الهواء الطلق وممارسة عنتريات (رشيتهم ليك)؟!
إعلامياً وصحفياً بالتحديد تواجه السلطة بذات التحدي.. هل سنقدم أداء إعلامياً مسؤولاً في ظلال الحريات التي أعلنت؟ هل سنمتثل برقابة ذاتية لله والوطن قبل أن تكون للحكومة أم سننخرط في مشاكسات اشتم لتشتهر أو افتري لتعرف وتجنى لتحمد؟ أم أننا بصدد ممارسة صحفية لصالح خيارات الشعب في معرفة الحقيقة لنكون لساناً لمن لا لسان له ويداً لمن لا يد له وسلطة عند من لا سلطة له؟! ومسؤولية الصحافة في هذه المرحلة أنها ربما تكون أشد ثقلاً وأهمية من خالص النشاط الحزبي نفسه، فلئن افتقدت بعض الأحزاب القدرة على التأثير فإن للصحافة دورها الظاهر والبيّن وأثرها غير المنكور، مما يجعلها حاملة راية إن سقطت سقطت بقية أركان العملية السياسية والاجتماعية بالبلد، ولهذا فمن اللازم تفكيك تفسيرات واستفهامات اتجاهات وخيارات منطلقاتها في هذا الظرف السياسي الدقيق.
استفهامات تبدو صغيرة وسهلة الإلقاء، وقد يكون الرد عليها نظرياً ممكناً ومتاحاً مبذولاً، لكن الممارسة العملية ستكون اختباراً قاسياً ومرهقاً، خاصة في ظل إشكاليات عدم رجحان كفة المواثيق الصحفية والإعلامية في سابق تجربتنا حينما كانت السلطات تضطر إلى التدخل وفق مؤشر التقديرات لديها بألوانه الممتدة من الأخضر إلى الأحمر شديد الاحمرار، حيث إنذار التوقيف والتقييد.. ولهذا فإن الحاجة ملحة للتوصل إلى ثوابت ومرجعيات، ثوابت المتفق حوله وعليه وهو سلامة المجتمع والوطن، وسقوفات أمنه القومي وصحيح رداء نسيجه الاجتماعي.. كلها نقاط يجب الاتفاق عليها بالأغلبية والالتزام الصارم.. وأما المرجعيات فهي تواصل ممتد بين مؤسسات منظمة للعمل المهني ودستور وقانون رسم أبعاد وحدود حرية التعبير، فإن أقمنا جسوراً من الانفتاح بين كل هذه الأطراف والدوائر، وأسبغنا عليها اعترافاً منزهاً عن الآراء الشخصية والانتصار لذواتنا توصلنا كلنا إلى ممارسة حتى في حال الخطأ واللحن فيها تمتد بنا مساحات الاستدراكات، إلا أن يكون خطأ متعمداً ومقصوداً لذاته، وحينها لكل حادث حديث وقياس.
لا شك عندي مطلقاً في أن الصحافيين وعموم الإعلاميين بالسودان وطنيون أخيار، كانوا ضد الحكومة أو من المؤمنين بها فهم من الفريقين يبقون آخر الأمر شرفاء أحراراً لم تدنس أعراضهم أوضار الغرض أو القتل العمد للبيان واللسان، وهم بهذا قادرون على ترسيم اتجاهات الانطلاقة المقبلة من أجل كل الحرية وكامل السلام.