صحو الأماسي مع الصهر الرئاسي
كتب الزميل الأستاذ “مصطفى البطل” من مقر إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية مقالاً طريفاً حول إفادات قدمها الزميل الأستاذ “محمد لطيف” له التحية، وذلك بصحيفة (الرأي العام) نعيد النشر ليس تحاملاً على الصديق “لطيف” ولكنها مرافعة خفيفة الظل عن الرئيس “البشير” وإن لم يقصد كاتبها ذلك .
عندما سألني عادل الباز عبر الهاتف، أثناء محادثتنا الأسبوعية الراتبة:
“هل قرأت الحوار الذي أجرته لينا يعقوب مع صاحبك محمد لطيف ونشرته (السوداني) قبل أيام؟” أجبت بالنفي. ولكن إحساساً ما انتابني وألح علىّ أن أطلب من أحد محرري تلك الصحيفة أن يبعث إليّ بنص الحوار المطول ففعل.
ثم قضيت بعد ذلك أمسية رائعة ماتعة في صحبة الصهر الرئاسي وحكاويه وبلاويه. وعندما أكملت المطالعة وجدت ابتسامة عريضة تكسو وجهي!
محمد لطيف صحافي متميز، وقد توصلت إلى هذه القناعة عند أول ظهور اسمه في صحيفة (الأيام) منتصف ثمانينيات القرن الماضي. لاحظت أنه مع كونه محرراً ناشئاً فإن الصحافي العملاق، الأستاذ محجوب محمد صالح، قائد مسيرة (الأيام)، صحيفة السودان الأولى عهدذاك، تخطى به الرقاب فمكّنه من عمود يومي راتب في الصفحة الأخيرة. وما كان للرجل ان يسمح بخطوة كهذه لو لم يكن قد أنس في حبيبنا لطيف غزارة المحصول وقوة العارضة. ومن أجازه المحجوب في الصحافة فهو مُجاز، ومن أنكره فهو نكرة.
لمحت في المبتدأ قول لطيف الذي وضعته المحررة على رأس عناوين الحوار (أنا لست محمد حسنين هيكل السودان). قلت لنفسي: ” خير وبركة، ومن تواضع لله رفعه”. ثم لا بد أن لطيف يعرف تماماً أن اللقب واسع عليه بعض الشئ، وأنه لن يكون هيكل السودان على أية حال وأنا موجود، أختال في شوارع أمريكا وأقدل فوق صحف الخرطوم. كما أدهشني قوله: (هناك أناس يحسدونني في علاقتي بالرئيس). وقد بدا لي أن أرسل من على البعد إشارات إلى صاحبي أن يهوّن عليه، وأن يطمئن بالاً ويقر عينا، فعما قريب سيبلغ حسد الناس إياه سدرة منتهاه. إذ ما هو إلا عامٌ واحد وتقام الانتخابات، فيتقاعد رئيسنا المفدى، مصدر الحسد. ثم يصعد إلى سدة الرئاسة خالي الفريق بكري حسن صالح، وستتم عندها إن شاء الله مراسم تسليم وتسلم الحسد من محمد لطيف إلى شخصي الضعيف. ويا مرحى بحسد الحاسدين. موتوا بغيظكم!
كما توقفت وتمعنت كثيراً في بعض ما صرح به لطيف مثل (أنا ساهمت في صناعة الرئيس البشير). و(كثيرون يعتقدون أن الإنقاذ صنعتني، ولكني أستطيع أن أدعي أنني من الذين صنعوا هذا الرئيس). سمعت عن رؤساء وقادة صنعوا صحافيين. ولكن فكرة صناعة الصحافيين للرؤساء جديدة، لا أظنها خطرت لأحد من صحافيينا على بال، منذ بدأت الصحافة السودانية مسيرتها عام 1903 على يد حسين شريف، مروراً بأبي الصحف أحمد يوسف هاشم، وإسماعيل العتباني، وعبد الله رجب، وبشير محمد سعيد، وصولاً الى الفاتح التجاني وفضل الله محمد. ولكن حبيبنا لطيف نسيج وحده. شوف بالله حكمة ربنا، يضع سره في أذكى خلقه! وهل هناك سر وحكمة أبلغ من أن يصنع صحافي علماني يساري رئيس إسلاموي يميني؟!
ومع ذلك فإن لطيف لم يطلق الكلم على عواهنه، فهو صادق فيما يقول. إذ كان أول ظهور إعلامي للعميد عمر البشير في الساحة العامة، قبيل الانقلاب وخلال سنوات الديمقراطية الثالثة، على يد صهره محمد لطيف الذي أفرد له صفحات صحيفة (الأيام) على مدى يومين. وذلك بعد الانتصار الساحق للعميد البشير، قائد معركة ميوم الشهيرة ضد قوات الحركة الشعبية، التي كانت لها اصداء إعلامية على الجبهة الداخلية.
وبالقطع فإن تسليط الأضواء على شخصية ما وعرضها للشارع في صورة قائد عسكري منتصر يزكي الشخصية ويعززها، ويسهم في تغذية الشعور العام تغذية إيجابية تجاهها. وقد قيل بعد ذلك إن الأستاذ محجوب محمد صالح ندم ندامة الكسعي على موافقته، كرئيس تحرير، على نشر الحوار المطول المزود بالصور مع العميد عمر البشير، وأطلق قولته المشهورة: (لقد ارتكبت في حياتي كلها خطأين اثنين. الأول هو أنني قدمت حسن الترابي في ندوة أكتوبر 1964، والثاني هو أنني قدمت عمر البشير من خلال حوار من جزئين في صحيفة (الأيام) بعد انتصاره في معركة ميوم). وفي المثل الشعبي: التسوي بي ايدك يغلب أجاويدك!
وأنا أستطيع أن أتصور أسباب الحظوة الخاصة التي نالها لطيف، والتي جعلته عنصراً دائماً ضمن تلك المجموعة التي تصلى صلاة المغرب في دار الرئيس كل مساء، ومكنته كصحافي من السبق والتقدم المهني، بحكم حصوله بوجه مستديم ومستطرد على الأخبار والمعلومات من رؤوس مصادرها. في مقدمة هذه الأسباب أنه قدم عطاءه للرئيس بكرم وأريحية، مستغلاً صفته كسكرتير لتحرير الصحيفة اليسارية، وذلك مع أن علاقته بالبشير علاقة مصاهرة فقط. وذلك في حين أن الصحافيين الآخرين من خاصة أهل البشير الأقربين، الذين تربطهم به صلات الرحم ووشائج والدم الوثقى، مثل حبيبنا الآخر كمال بخيت، مراسل (الدستور) اللندنية آنذاك، لم يترددوا في نشر اسمه كاملاً على صفحات المجلة البعثية المصدر والتمويل، ووجهوا إليه الاتهام بأنه يعد لانقلاب عسكري ضد النظام الديمقراطي لصالح الجبهة الإسلامية!
عموماً تلك أحاديث وحادثات عفا عليها الدهر ووقائع انقضى زمانها، فهي في ذمة التاريخ. وقد يحمد الحامدون لكمال بخيت أنه ضحى بصلة الدم واختار الاصطفاف بإزاء مبادئه القومية ورؤاه العقدية، فسعى لحماية السودان من مخاطر التآمر الإسلاموي. أما حبيبنا محمد لطيف فإن شعبنا كله، شيباً وشباباً، يتوجه إليه بوافر الامتنان لجهده المقدر في (صناعة) رئيس إسلاموي للسودان، ويقول له بصوت واحد: “رئيسنا البشير ما عندنا فيهو كلام، لكين الفيك اتعرفت”!
مصطفى البطل