رأي

الموسيقار «بشير عباس» والعبور بالألحان السودانية إلى العالمية!!

الموسيقار والملحن “بشير عباس”, قيثارة الليل, واللحن الشجي, وأحد عمالقة الموسيقى في السودان, فقد لعب دوراً مميزاً في صياغة الوجدان السوداني.. في حلفاية الملوك ولد وترعرع “بشير عباس نصر”، وفيها ألفت أذنه أنغام السودان في قرية (يقولون مدينة في هذا الزمان)، كانت الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي والأسري وأطر تواصلها وتراحمها. إلا أن “بشير عباس” تحلل من محلية الحلفاية، فقد تبناه أهل السودان جميعاً وهم يتذوقون، طوال عقود من الزمان, ألحانه العذبة على مائدة الإفطار في رمضان، وأعذبها أحياناً كان بالفم لا بآلة العود التي اشتهر بها، ويطربون مع “البلابل”، ويرون أنفسهم في ألحانه التي ابتدعها تخليداً للأب والأم ومريدي وكنانة.. والقائمة تطول.
في حلفاية الملوك نشأ “بشير عباس”، ولكنه مند صباه اختار أم درمان، حاضرة السودان وأرض “خليل فرح”، مقاماً ومستقراً، وفيها اتخذ زوجاً وأصهاراً, وفيها برزت موهبته إلى الوجود في دار الإذاعة العريقة، وفي سماواتها الصافيات حلق بسرب من “البلابل” غذى بهن أفئدة أهل السودان، بل كل دول الجوار أثيوبيا، إريتريا، الصومال، تشاد وأفريقيا الوسطى، والذي لم يذكر أكثر.. ونحن أسرة “بشير عباس” في الحلفاية، تقاسمناه عن طيب خاطر وحب مع أم درمان العريقة، مدرسة الفنون بأشكالها، ومعبد الحرية، وملجأ كل مبدع ضاقت به أسوار المحلية.
و”بشير عباس” لم يقنع بموقعة المركزي في الموسيقى السودانية المعاصرة، بل جاب العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وكذا أفريقيا والعالم العربي، ليبرز وجه الموسيقى السودانية التي تعاني، للأسف، من التجاهل بحجة المحلية المفرطة، وهكذا تمكن من
عرض الفن السوداني في محافل عالمية ذات سمعة رفيعة مثل منظمة الـ(يونسكو) في باريس، وأذكر في هذه السانحة أن الحضور كان من أنحاء العالم كافة متمثلاً في المندوبين الدائمين لدى الـ(يونسكو)، مما يجعله تمثيلاً رائعاً لعرض تراثنا.. كانت القاعة تستمع للموسيقار “بشير” في خشوع تام، وهو يداعب أوتاره بكل رشاقة، ومهنية عالية.. في هذا الجو الخشوع، لم تستطع إحدى المواطنات السودانيات إلا أن تعبر بطريقتها لهذا الدفق الموسيقي والعاطفي، بأن أطلقت (زغرودة) دوت في القاعة، خلقت بعداً آخر، ومعنى تعبيرياً آخر للوطن.
وحاز الموسيقار “بشير عباس” على عدة جوائز تقديرية وإشادات جعلت العالم الخارجي، أو على الأقل المهتمين فيه بفنون البلدان
الأخرى، ينتبه إلى الموسيقى السودانية ويعيرها أذناً صاغية, وقد لاقى في مسعاه الدولي والإقليمي ذاك نجاحاً إثر نجاح، باستثناء مجال واحد لم يكن فيه ضليعاً وهو المكسب المادي. وذلك تحديداً أمر لا يعني له الشيء الكثير، فقد كانت الموسيقى، منذ شبابه، هي كنزه الأثير ولم يكن يحلم بغيرها.
لو أردت أن أوفي “بشير عباس” حقه لاحتجت إلى صفحات كثر, ولكنني سأكتفي، وفي ختام هذه العجالة, بتوجيه كلمة شكر إلى كل من ساهم في هذا الحفل التكريمي الرائع لأحد الرموز الوطنية, بدءاً بالأستاذ “الهندي عز الدين” الذي علمت من مصدر موثوق, بجانب كونه صحفياً مطبوعاً, أنه فنان مفطور وعاشق لكل ما له صلة بالموسيقى، لا غرو أن يتبنى مثل هذه المبادرات الكريمة.
إن أمة لا تكرم أعلامها في مجالات الإبداع تجرم في حق تراثها الثقافي والحضاري، ومن هنا تجيء أهمية الحظوة التي أقدمت عليها جريدة (المجهر) لتوثيق مثل ذلك التراث، وحقيقة أن مجهركم رأى ما غاب عن أعين كثيرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية