حزن الأباريل
ربما هي صدفة ولكنها ليست تلكم التي هي خير من ألف ميعاد، بيد أنها تظل شئت أم أبيت إرادة الله ومشيئته التي هي فوق كل شيء، أن تتوالى السنين بأحزانها فإنها سنة الحياة، ولكن أن يظل أبريل أمواجاً تعبر بحر القلب جيئة وذهاباً ليس لتجديد الأحزان والتذكير بها وحسب، بل لتأتي بأخرى تؤرق الدمع وتخرجه من مخابئه القديمة تلك.
للوطن طعمه الخاص ليس لترابه فقط ، وإنما لأنه يخفف عنا وقع الحزن في مثل هذه الفاجعة.
رحل بالأمس القريب في السادس من هذا الشهر في العام الماضي رجل ألب الأحزان وأشعل النار في قلب كل من عرفه عن كثب.
رحل “خالد” عنا ليترك لنا جرحاً خالداً في القلب والروح والذاكرة وكأنه رحل بالأمس القريب فعلاً.
وها هو الركب ماضٍ ليعم الحزن شوارع الأرض الطاهرة هنالك.
بين جدران كتب عليها التاريخ بألوانه الباهتة اسماً من أسماء الكبار، الكبار الذين علمونا كيف يكون الشاعر لسان قومه قبل حاله، أن تحب حينما يحب هو أن تحزن لحزنه قبل أن يحزن لحزنك، أن تغادر إلى عالمه كيف ما شاء ومتى ما أراد.
ذاته القدر الذي شاء لي أن أنعيه هنا في هذا التاريخ الذي ارتبط عندي بأكثر من حزن.
“محجوب شريف” الذي هو أستاذ العامة قبل أن يكون أستاذي وشاعر الشعب بأكمله وليس حزباً أو جهة.
الشاعر الذي ألفت الآذان موسيقى أشعاره المميزة، كنت أتشوق لمقابلته مذ كنت طفلة الشعر المدللة، وتشرفت بلقائه ذات مساء يانع رائع جميل، أمسية جمعت شعراء وشاعرات ولكنها كانت بعيدة عن ضوضاء المسرح وأضواء الإعلام، كنا حضوراً حينما جاء ضاحكاً معتذراً عن التأخير هو وزوجته التي كانت وحدها ينبغي أن تكون زوجته بروحها الجميلة وحضورها الباذخ ثم تلتهم حضوراً “مي” ابنته التي تصغر “مريم”، ترنمت بلحنها الرائع حينها فانتشينا وبكينا وصفق الجميع.
لنا الله في هذه الفاجعة وتلك.
ولك الشكر الجميل أستاذي “أزهري محمد علي” لأنك منحتني شرف أن التقي به قبل الرحيل في داركم العامرة في ذلك المساء.
ولك التعازي أيها الشعب الحبيب.