البلد ما حقتك براك!!
أعتقد أن البروفيسور “مأمون حميدة” وزير الصحة بولاية الخرطوم شخص مجتهد، وأتوقع منه على كثرة الانتقادات أن يحقق انتقالاً إيجابياً لصالح تطوير الخدمات الطبية. ولا أخفي أني كنت من الداعين ولا أزال لمنحه فسحة من الوقت ودعمه لصالح خطته، وأن يترفع الناس في إدارة شأن نقد الرجال والوظائف عن نهج الاستلطاف وعدمه في التقييم، وتحديد أوزان المواقف، لكني اليوم أعتقد أن “حميدة” والألقاب والمقامات محفوظة ثم مرعية أتى مقترحاً مزعجاً، وربما مستفزاً حينما طالب باستحداث (آلية) واضحة لتحويل مرضى الولايات إلى مستشفيات الخرطوم بعد أن شكا أمام وزراء الصحة بالولايات من وجود تحديات تتمثل في هجرة المواطن من المدن إلى الخرطوم مما يستوجب زيادة عدد المراكز الصحية، بجانب استقبال أعداد كبيرة من مواطني الولايات الذين يتعالجون بالعاصمة بنسبة قدرها بنحو الأربعين بالمائة.
المقترح مرفوض، وبه جانب استفزاز، لأنه يشعر مواطني الولايات بأنهم غرباء مهاجرون وافدون في وطنهم، هذا من حيث الانطباع الأولي من مثل مفهوم هذه الآلية، لأنني إن احتجت للعلاج بالخرطوم فإن عليّ وأنا مواطن من كسلا أو البحر الأحمر أو دارفور أن أجري جملة مخاطبات ومراجعات لتحديد الإمكانية والمطلوبات وفق نسق القمسيون وإجراءات العلاج بالخارج، وكأني ذاهب إلى قطر عربي أو أوربي، ولست متجهاً إلى العاصمة القومية للبلاد! وهذا لعمري اقتراح إن طبق فإنه سيجر على الجميع استياءً لا راد له، وأعتقد أنه سيظهر صورة وزير الصحة بولاية الخرطوم في شكل غير لائق وجارح لأحاسيس المواطنين خاصة بالولايات.
لو أن أصلاً هناك حجم يحترم أو يعتد به من الخدمات الصحية بالولايات والأطراف لما تجشم المساكين عناء ووعثاء السفر ورهق توفير النقد والأموال، وطلبوا عون الأهل بالخرطوم والمعارف.. وصحيح أن ولاية الخرطوم لا تتحمل انهيار خدمات الصحة بالولايات، لكنها يجب ألا تحتج، لأن هؤلاء المواطنين آخر الأمر سودانيون وهذه بلدهم، وعلى الخرطوم بحكم موقعها ورمزيتها أن تتحمل، فإن قصرت مواردها وهو محتم الحدوث، فعليها لمثل هذه الأسباب طلب تخصيص وتمييز عن بقية الولايات وأعتقد أنه أمر معمول به.
صرخة البروفيسور “مأمون حميدة” تتطلب من الحكومة الاتحادية التعامل بحرص أكبر وهمة أشد في شأن الخدمات الطبية، وجعلها شأناً مركزياً يدار كخدمة ومشروعات ومهام واختصاصات مثل شؤون الأمن والدفاع، وقد حمدت للنائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول “بكري حسن صالح” تحسسه وجع الناس، وصحف الأمس كلها تبرز حديثه عن تكاليف العلاج التي (قدّت) جيوب المواطنين، وليته أتبع تعليقه بتقييم لأداء وزراء الصحة الولائيين لأنهم (ما شغالين حاجة)، ولم نسمع بأي منهم قد أحدث طفرة ونقلة في مكان تكليفه، بقدر بت أؤمن معه أن حقيبة وزير الصحة يجب أن تحذف ولائياً لأنها مثل المعتمد برئاسة الولاية، وظيفة هلامية ومنصب لا يقدم القائم عليه شيئاً سوى ورود اسمه أيام الأعياد والمناسبات الوطنية، ويوم تعيينه ثم إعفائه!