تقارير

هل يحمل «الترابي» حركة (العدل والمساواة) على التسوية مع (الوطني)؟؟

{ منذ اندلاع حرب دارفور عام 2003م بالهجوم على مدينة الفاشر بواسطة قوات تتبع لفصيل «مني أركو مناوي»، ثم توالت المفاجآت غير السعيدة للحكومة بتمرد حركة العدل والمساواة، ظلت الحكومة وأجهزتها الإعلامية والأمنية تطلق على فصيل العدل والمساواة صفة الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي المعارض!! وتقول الحكومة إن المؤتمر الشعبي يمثل الجناح السياسي لحركة العدل والمساواة.. ولم يبد الحزب الذي يقوده الشيخ «حسن الترابي» حرصاً على نفي صلته بحركة العدل والمساواة، ربما لوجود علاقة عضوية أو بسبب (السودانوية) أي حالة الحماقة التي تعتري السوداني في بعض الأحيان.. فالشعبي ربما في حقبة التضييق والملاحقات التي تعرضت لها قياداته ومنسوبوه عدّ (التبرؤ) من تهمة الارتباط بالعدل والمساواة فيه تخاذلاً وخوفاً من بطش النظام الذي كان يكيد إلى المؤتمر الشعبي أكثر من كل القوى السياسية، وشبهة الانتماء للشعبي فقط قد تفقدك وظيفتك!! ولم يتعرض حزب سياسي لتنكيل وسجون وقطع للأرزاق والأعناق كما تعرض المؤتمر الشعبي.. ومن جهة أخرى فإن المؤتمر الشعبي لم (يقصر) في تشويه صورة النظام داخلياً وخارجياً، وحرض عليه الأقربين والأبعدين والعرب والعجم.. ولاذت عناصر من الشعبي بأحضان المنظمات الدولية والمحاكم من لاهاي وغيرها من أجل الانتقام من إخوان الأمس.. وحركة العدل والمساواة من جهتها وهي تبحث عن أي نصير وداعم لها، لا تنفي صلتها بالمؤتمر الشعبي في كثير من الأحيان.. وبعض قيادات الشعبي ربما إمعاناً في الخصومة مع الوطني يحرصون على الإيحاء بأن الذين يحملون السلاح هم أبناؤهم والشعبي قادر على حل قضية دارفور في يوم واحد!!
الآن تقاربت المسافات بين الوطني والشعبي، وجرت تفاهمات في السر والعلن، وتبدلت لغة الإقصاء والوعيد والتهديد إلى لغة قبول من الوطني بالشعبي ومن الشعبي للوطني، وبات رجل مبغوض وسط الوطنيين مثل المحامي «كمال عمر عبد السلام» محل احتفاء وتقدير وسطهم، ولم يفصح كل من الوطني والشعبي الآن عن التفاهمات التي جرت وراء الكواليس وخلف الأبواب المغلقة، والدوافع الداخلية والخارجية التي حملت الطرفين لقبول كل طرف بالآخر، حتى ذهب بعض المتفائلين إلى أن وحدة الإسلاميين ستعود في مقبل الأيام مما يثير حساسية التيارات العلمانية واليسارية، بل إن شخصية مثل الإمام السيد «الصادق المهدي» رغم صلات القربى والمصاهرة مع د. «حسن الترابي» إلا أن الرجل لا يطيق رؤية «الترابي» بالقرب من «البشير».. و«الصادق» نفسه لم يخط خطوة جادة نحو التحالف مع المؤتمر الوطني حينما كان «الترابي» في غياهب السجون وعلى رصيف المعارضة.. والآن بدت العلاقة بين الوطني والشعبي دافئة جداً.. فهل يحمل «الترابي» (عصا) يهش بها حركة العدل والمساواة ويحملها على التفاهم والتفاوض مع المؤتمر الوطني ووضع السلاح.. وهي الحركة الأكثر فاعلية سياسية من بقية مكونات الجبهة الثورية؟؟ وهل المؤتمر الشعبي يملك سلطة (الأمرة) على العدل والمساواة؟؟ أم تربطه بها علاقات هشة وتنسيق مواقف فقط لعدو مشترك في يوم ما؟؟
يدرك أي طالب ثانوي في صحارى وجبال البحر الأحمر أن قيادات حركة العدل والمساواة إسلاميون مقربون جداً من قيادة الإسلاميين التاريخية ممثلة في الشيخ «حسن الترابي».. ولكن للحقيقة وجه آخر، فقيادات المؤتمر الوطني مثل «مصطفى عثمان» ود. «أمين حسن عمر» و«علي كرتي» و«علي عثمان محمد طه» كانوا أقرب إلى قلب «الترابي» ووجدانه من د. «خليل إبراهيم» و«عبد العزيز عشر» و»محمد آدم بخيت» و«سليمان جاموس» و«أبو بكر حامد».. فما الذي جعل حركة العدل والمساواة تخرج من جلباب الشعبي ولا تخرج من عباءة المؤتمر الوطني؟؟ وهل انشقاق د. «خليل إبراهيم» سابق لتأسيس المؤتمر الشعبي أم لاحق؟؟
في رواية د. «خليل إبراهيم» عن حركة العدل والمساواة التي صدرت في كتاب من (384) صفحة للباحث «عبد الله عثمان التوم»، اعترف د. «خليل إبراهيم» بأن تخطيطه لحمل السلاح والتمرد على الدولة سبق انقسام الإسلاميين إلى (وطني) و(شعبي)، وأنه فكر في التنصل من التزامه بالتيار الإسلامي لأسباب جهوية محضة، وأن «الترابي» مسؤول عن كل الظلامات التي حاقت بإقليم دارفور قبل الانقسام.. والباحث «عبد الله عثمان التوم» كتب تفاصيل دقيقة جداً عن تكوين حركة العدل والمساواة، والرجل لم يعرف عنه- أي «عبد الله عثمان»- انتماء من قبل لحركة الإخوان المسلمين، وقال إن سلوكه الشخصي تعاطي التبغ وعدم الانتظام في الصلاة مع مقاتلي حركة العدل في الميدان لم ينتقص من دوره في يوم ما داخل أضابير التنظيم العسكري.. وحظر الكتاب من قبل السلطات الحكومية، وتم حجبه عن بؤرة الضوء لتصحيح كثير من مزاعم الرجل.. ولكن الثابت أن حركة العدل ظلت تحتضن أي قيادي من الشعبي (استيأس) من تغيير النظام عن طريق الانتفاضة الشعبية أو حتى الانقلاب الداخلي.. وبعض المحكوم عليهم في محاولات انقلابية عديدة اختاروا حركة العدل والمساواة.. وأيضاً هناك معارضون من مشارب أخرى انضموا إلى حركة العدل والمساواة وهم أقرب إلى اليسار والتيار العلماني والعنصري مثل «الطاهر عبد الكريم» من جهة النهود في كردفان، و«السر جبريل تية» أحد المقربين من الراحل «فيليب عباس غبوش»، و«محمد أحمد البليل» الذي عرف بانتمائه إلى حزب الأمة القومي!!
لكن حركة العدل والمساواة لم توجه يوماً واحداً نقداً لحزب المؤتمر الشعبي.. وظلت توحي للحكومة دوماً بأنها تملك السند الداخلي.. وفي الجامعات ظل طلاب الشعبي وحركة العدل والمساواة في تنسيق مشترك ومواقف متقاربة.. إزاء كل ذلك فإن الساحة في مقبل الأيام موعودة باختيار حقيقي هل د. «الترابي» يستطيع لعب دور ما في إحداث تقارب بين العدل والمساواة والمؤتمر الوطني؟؟ وهل تستطيع الحركة التنصل من حلفائها وشركائها في الجبهة الثورية ونفض يديها عن الاتفاقيات التي أبرمتها معهم والتفاهم مع الوطني؟؟ أم (يقتنع) المؤتمر الوطني بأن البيع بالقطاعي لن يحقق له أرباحاً ويضاعف من رصيده، ويقبل على تسويات شاملة مع كل من يحمل السلاح ويفاوض الجبهة الثورية بكل مكوناتها اتساقاً مع التوجهات الغربية والإقليمية؟؟
إن أكبر إضافة للشعبي تحصد ثمرتها الحكومة، إن هو أفلح في (إقناع) حاملي السلاح بوضع البندقية والإقبال على مفاوضات حقيقية تنهي حقبة الاحتراب الحالية في البلاد، وتفتح الأبواب لتصالحات حقيقية بين مكونات السودان!!
} الفساد يقعد بالبلاد
{ في يوم الخميس 27 مارس نشرت الصحف أخباراً عن الفساد والتجاوزات في عدد من المرافق الحكومية، ومعظم أخبار الفساد والتجاوزات منسوبة إلى ديوان المراجعة القومية الذي لا تملك جهة القدح في صدقية تقاريره وإن اختلف التوصيف.. هل التعدي على المال العام بالضرورة يعني الفساد؟؟ المراجع العام بولاية الخرطوم كما جاء في الصحف قال إن تجاوزات مالية في ولاية الخرطوم حدثت في وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة، أي نصف عدد وزارات الولاية، لصرفها أموالاً بمستندات غير مبرئة للذمة، وإن المحليات قامت بتحصيل رسوم من خدمات الأراضي دون سند قانوني.. وقال تقرير المراجع العام إن حكومة الولاية لجأت إلى تسوية مديونيات الشركات عبر منحها أراضي حكومية، مؤكداً غياب ولاية وزارة المالية على بعض موارد إدارتي الأراضي والمرور لعدم توريدها إلى حسابات المالية والتصرف فيها مباشرة. وعدّ التقرير منح الأراضي للدائنين تفريطاً وإهداراً لها، وأن الولاية خصصت أراضي استثمارية لشركة (دال) وصاحبها «أسامة داوود» تسوية لمديونيته التي بلغت (38) مليون جنيه دون أن تقوم بإثبات الأصول غير المالية.. تلك من أمراض الحكومات التي تتحالف مع الرأسمالية والتجار!! فكيف لولاية الخرطوم أن تمنح «أسامة داوود» أراضي استثمارية نظير ديون على الولاية والرجل هو من (يحتكر) استيراد القمح ومعه شركتين أخريين- أي من المحظيين بعطاءات الحكومة التي تتحدث عن الشفافية ولكنها تمنح أرضها مقابل ديون لرجل الأعمال «أسامة داوود؟! وفي يوم (الخميس) في صحيفة (الصيحة) خبر يقول: كشف تقرير عن مسؤولية شركات أدوية عن تبديد نحو 150 مليون دولار استخدمت في توريد أجهزة معدات طبية مخالفة للمواصفات، وحسب مستندات فإن تلك الشركات استوردت أجهزة طبية بمبلغ 3.94 مليار دينار في المرحلة الثانية من برنامج توطين العلاج بالداخل، وأن (90 %) من الأجهزة لم يتم تشغيلها. وقال تقرير المراجع العام إنه لم يجد لائحة تنظيمية وإدارية لمشروع توطين العلاج.. التقرير عن فساد بـ(150) مليون دولار سكت عن تلك الشركات إما خوفاً منها أو مساهمة منه في تغطية الفضائح.
وفي خبر آخر يوم (الخميس): اتهم المراجع العام بالخرطوم وزارة الرعاية الاجتماعية بتبديد مبلغ مليون جنيه- أي (مليار)- سلمته الوزارة لمنظمة (مجددون) لتنفيذ وقف إفطار تلميذ ولم تقدم المنظمة مستنداً مبرئاً للذمة يثبت إنفاقها المال!! هذه الأخبار وردت فقط في الصحف الصادرة يوم (الخميس)، وجميع مصادرها جهات رقابية على المال العام هي ديوان المراجعة القومية والمراجعة الولائية، والحكومة باتت لا تشعر بالقلق ولا وخز الضمير حينما تنشر الصحافة قضايا فسادها وإفساد المسؤولين فيها.. وأصبح للفساد مدافعون عنه سراً وعلناً باستخدام (الجهويات) والعنصرية للحيلولة دون محاسبة المتهمين في قضايا الفساد، ودونكم بيان المنظمات النوبية الطوعية التي تصدت للدفاع عن ابن النوبة البار «سلاف الدين صالح» رئيس مفوضية الدمج والتسريح (المتهم) بتبديد المال العام.. المنظمات النوبية تصدت لاتهام الرجل بدفاع عنه غير مبرر وجد الاستهجان والرفض من قطاعات عريضة من المواطنين.. و«سلاف الدين صالح» لا يزال متهماً فقط، يمكن أن تُبرأ ساحته مثل د. «أزهري التجاني» ود. «الطيب مختار»، ويمكن أن تتم إدانته فلماذا سارعت المنظمات النوبية للدفاع عن (ابنها)؟؟ وفي سنوات مضت حينما بدأ «الترابي» يستعد للمواجهة مع تلاميذه داخل الحكومة استخدم الفساد وقال إنه بلغ (بضع) في المائة وثارت ثائرة التلاميذ النجباء.. ودافعت الحكومة عن نفسها، بل هددت كل من يدعي وجود فساد إما إثباته أو مواجهة مصيره!! وعدّ «علي عثمان محمد طه» النائب الأول للرئيس حينذاك الحديث عن الفساد حرباً على النظام وعداءً سافراً للتوجه الحضاري!! أما اليوم فالأرقام تصدر من جهات حكومية رقابية مثل ديوان المراجع العام، ولا تملك جهة مناهضة تلك الأرقام ولا تبرير أسباب الفساد.. وقد اطمأنت الحكومة على أن الحديث عن الفساد لن يزحزحها عن مقاعد سلطتها، وبالتالي وطنت نفسها لسماع أي رقم عن الفساد داخل أجهزتها والسكوت عنه، كأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد.. والفساد الذي أسقط حكومات وبدّد عروشاً وأزاح حكاماً عن ممالكهم، يعدّ خطراً على الدولة أكثر من التمرد المسلح.
قبل شهر كان لأحد الولاة عزاء في عزيز لديه.. تدفق سيل السيارات الفارهة نحو ضاحية كافوري حيث الثراء الفاحش والعمارات السامقة و(الأسامي الأجنبية) كما يقول «مصطفى سيد أحمد».. منزل الوالي يتألف من أربعة طوابق.. حاولت إحصاء مبردات الهواء ووصلت للرقم (12) ثم توقفت، لأن بعض المكيفات في الجهة الأخرى غير المرئية.. حدائق غناء وأثاث من ماليزيا.. والوالي المعني كان أستاذاً في المرحلة الابتدائية حتى 30 يونيو 1989م وفي قرية نائية في إقليم بعيد.. وقديماً قيل إذا لم تستح فأصنع ما تشاء.. المسؤولون لا (يختشون) من مظاهر (بيوتهم) وعربات زوجاتهم، فكيف (يختشون) من الفساد في دولاب الدولة، حيث تباع حتى أراضي قدامى المحاربين إلى بعض الرأسمالية المرتبطة بالحكومة- على قول الشيوعيين في الخمسينيات والستينيات عن الرأسمالية المرتبطة بالاستعمار؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية