المشير «السيسي» يخلع بزته العسكرية ويخوض غمار الانتخابات الرئاسية
حسم وزير الدفاع المصري المشير “عبد الفتاح السيسي” أمر ترشحه لرئاسة الجمهورية في مصر، وكان ذلك أمراً متوقعاً وفق ما شهده المسرح السياسي في مصر، وهو ما تم بموافقة قيادة القوات المسلحة المصرية والشرطة والأجهزة الأمنية، ودعم وجده “السيسي” من الأوساط الشعبية لما يلقاه الجيش المصري من احترام عند الشعب المصري.. ورافقت ذلك احتجاجات وأعمال عنف نسبت إلى (جماعة الإخوان المسلمين) التي وصفت ما يجري بأنه (انقلاب) على شرعية الرئيس المعزول “محمد مرسي”. في وقت توقعت فيه أوساط اكتساح المشير “السيسي” للانتخابات الرئاسية، الأمر الذي سيفضي إلى مرحلة سياسية جديدة في مصر.
{ سيرة ذاتية
ولد المشير “عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسى” بالعاصمة المصرية (القاهرة) في (19/11/1954م).. تخرج في الكلية الحربية ببكالوريوس العلوم العسكرية في الأول من أبريل للعام 1977م وخدم في سلاح المشاة، ثم تحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان عام 1987م، وماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992م، ثم زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية (ناصر) العسكرية العليا عام 2003م، بالإضافة إلى زمالة كلية الحرب العليا الأمريكية عام 2006م.. أما الوظائف السابقة التي شغلها إبان خدمته في القوات المسلحة المصرية قبل أن يعلن رسمياً استقالته ليل أول أمس الأربعاء، فقد عمل رئيساً لفرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع المصرية، وقائداً لكتيبة المشاة ميكانيكي، ثم عمل ملحقاً للدفاع بالمملكة العربية السعودية، ثم قائداً للواء مشاة ميكانيكي، فرئيساً لأركان المنطقة الشمالية العسكرية، وبعدها عمل قائداً للمنطقة الشمالية العسكرية، ثم مديراً لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وهي الفترة التي شهدت أحداث ثورة (25 يناير 2011م)، حيث كان ضمن فريق الأزمة للمجلس العسكري، قبل أن يتسلم مسؤوليته قائداً عاماً للقوات المسلحة المصرية ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي بعد أن أصدر الرئيس المعزول “محمد مرسي” قراره بتعيين الفريق “السيسي” كأول وزير للدفاع عقب (ثورة يناير)، وقائداً عاماً للقوات المسلحة بعد أن تمت ترقيته إلى رتبة الفريق أول في (12/8/2012م).. وجاء تعيين “السيسي” في اليوم الذي شهد تقاعد كل من المشير “محمد حسين طنطاوي” القائد العام للقوات المسلحة والفريق “سامي عنان” الذي كان يشغل منصب رئيس الأركان، في خطوة بدا أنها تهدف إلى تحجيم النفوذ السياسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى إدارة البلاد عقب رحيل الرئيس السابق “حسني مبارك” الذي أطاحت به ثورة (25 يناير) الشعبية، التي مثل فيها انحياز الجيش المصري لمطالب الشعب عاملاً حاسماً في نجاحها.. وبعدها ظل “السيسي” بعيداً عن التدخل في الأمور السياسية لعدة أشهر، وبدا واضحاً اهتمامه بإعادة الانضباط داخل صفوف القوات المسلحة، والانشغال بتلبية احتياجات الجيش من التدريب والعتاد العسكري، وهو أول من اعترف بأن أفراد القوات المسلحة يجرون ما يسمى بكشوف العذرية، كما قام بمهاجمة عنف الأمن في التعامل مع المتظاهرين، مؤكداً ضرورة تغيير الأمن لثقافته في تعامله مع المواطن، وضرورة حماية المعتقلين وعدم تعرضهم للتعذيب.
“السيسي” كما تقول سيرته الذاتية لم يولد بمحافظة (المنوفية)، ولكن والده الحاج “سعيد حسين السيسي” من أهالي قرية (طليا) مركز (أشمون) بمحافظة (المنوفية).. عاش والده فيها لعشرات السنين، قبل أن ينتقل إلى القاهرة منذ (80) عاماً تقريباً، حيث استقر بحي (الجمالية) بمصر القديمة التي فتح “السيسي” الأكبر فيها محلاً لتجارة الحبوب و(بازار) بمنطقة (خان الخليلي)، وتزوج من الحاجة “سعاد”، والدة المشير “السيسي”، التي أنجب منها أربعة أولاد، ويكون المشير “السيسي” الابن الثاني لهما، وبعد سنوات تزوج والد “السيسي” ثانية، لينجب سبعة أبناء آخرين، ليكون “السيسي” ضمن (11) أخاً وأختاً من والده.
والمشير “السيسي” متزوج ولديه ثلاثة أولاد وبنت واحدة تزوجت حديثاً.
{ انقلابي ومستلب للسلطة
يرى الخصوم من (جماعة الإخوان المسلمين) في المشير “السيسي” أنه من قام بما يصفونه (انقلاباً) في الثالث من يوليو 2013م على سلطة الرئيس المنتخب “محمد مرسي” الذي جاءت به انتخابات حرة ونزيهة فاز بها حزب (الحرية والعدالة) الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وأشرف عليها المجلس العسكري (الانتقالي) نفسه، حيث كان حكماً عدلاً في المضمار الانتخابي. وكان “السيسي” قد أعلن عدة إجراءات صحبت ذلك وعُرِفت وقتها بـ(خارطة الطريق لثورة 30 يونيو) التي أطاحت بـ”مرسي” بعد أن اندلعت احتجاجات واسعة في 30 يونيو عام 2013م للمطالبة برحيل “مرسي” بعد عام واحد من حكمه للبلاد، فصدر بيان عن القوات المسلحة يحذر من أن الجيش لا يمكن أن يصم آذانه عن مطالب الشعب، وأعلن البيان عن مهلة لمدة (48) ساعة (لتلبية مطالب الشعب).. وفي الثالث من يوليو، وفي بيان ألقاه أمام التلفزيون الرسمي وبحضور عدد من قادة القوى السياسية المعارضة لـ”مرسي”، وشيخ الأزهر “أحمد الطيب”، والبابا “تواضروس” بابا الإسكندرية، أعلن “السيسي” إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإلغاء العمل بالدستور، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا “عدلي منصور” بتولي منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت. وكانت تلك الخطوة بمثابة نقطة تحول في شعبية “السيسي” في مصر، حيث بدأت صوره تكسو العديد من الميادين والأماكن العامة في البلاد، وذلك وسط استمرار تظاهرات مؤيدي الرئيس المعزول “محمد مرسي” الذين يصفون تلك الخطوة بأنها (انقلاب عسكري) على أول رئيس منتخب في مصر. لكن “السيسي” قال إن الخطوة التي اتخذها كانت ضرورية، وليست طمعاً في السلطة، لأن الشعب لم يجد من يهتم لأمره، في إشارة إلى الرئيس المعزول “محمد مرسي”، مضيفاً إن الحكومة المدعومة من قبل (جماعة الإخوان المسلمين) لم تحقق مطالب الشعب.
{ تآكل الحريات في مصر
ويلقى المشير “السيسي” دعماً إعلامياً كبيراً من قنوات التلفاز الحكومية، والعديد من القنوات الفضائية الخاصة التي تحرص على تقديم صورته إلى جوار صورة الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر”، وتقول إنه الشخص الوحيد الذي يمكنه القضاء على الإرهاب وقيادة البلاد نحو الاستقرار وتحقيق الرخاء الاقتصادي، وهو ما أكسبه مزيداً من الشعبية.. وفي الآونة الأخيرة، قالت (منظمة العفو الدولية) في تقرير لها إن مصر شهدت عنفاً على مستوى (غير مسبوق) منذ إطاحة الجيش بـ”مرسي”، واتهمت (منظمة العفو الدولية) قوات الأمن المصرية بارتكاب انتهاكات ممنهجة بشأن حقوق الإنسان، مضيفة إن الحقوق والحريات في مصر (تتآكل)- على حد وصفها- كما تعرضت السلطات الحاكمة لانتقادات بسبب عدم البدء في إجراء تحقيق جاد بشأن فض قوات الجيش والشرطة اعتصامي (رابعة العدوية) و(النهضة) لأنصار “مرسي”، الذي خلف مئات القتلى والجرحي، كما شكلت أحكام الإعدام السريعة على منتمين لـ(جماعة الإخوان) انتقادات محلية ودولية للحكم في مصر.
{ مستقبل مصر في عهد الرئيس “السيسي”
يرى أستاذ العلوم السياسية البروف “عبده مختار” أن استقالة “السيسي” وترشحه للرئاسة في مصر هي خطوة تؤسس لمرحلة جديدة تم رسمها بدقة من الجيش ومن وصفها بالقوى العلمانية المتحالفة معه داخل مصر، وتواطؤ الغرب من جهة أخرى لضرب (الحركة الإسلامية)، حيث تم الإخراج بصورة ذكية تمثلت في الشعار المرفوع (بأمر الشعب السيسي رئيساً)، وذلك كإيحاء بأنه حصل علي الشرعية، مع أن صناديق الانتخابات جاءت برئيس شرعي منتخب، تم الانقلاب عليه كما يقول، وبالتالي فلن تكون الانتخابات المقبلة التي سيترشح فيها “السيسي” نزيهة لأنها محروسة بالجيش، والإعلام غير محايد، كما أن (الإخوان المسلمين) مقيدون بعد المراسيم والقوانين التي عدت تنظيمهم تنظيماً محظوراً، بل ودمغته بالإرهاب، ويشبه ما حدث في مصر بما جرى في الجزائر أوائل التسعينيات، إلا أن السيناريو تم هذه المرة بشكل مختلف، ويجزم بأن (الغرب) موجود خلف الكواليس، ويرى أن الدول العربية التي لا ترغب في وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة في بلدانها كخيار جديد هي من ضيقت الخناق على الرئيس المعزول “محمد مرسي”، بينما أجزلت العطاء لـ”السيسي” بعد عزل الرئيس (الإخواني).. ويرى “عبده مختار” أن “السيسي” بعد فوزه برئاسة مصر لن يحقق لها الاستقرار المنشود وستكثر الاضطرابات هناك، لأن السلطة الجديدة ستقوم على أنقاض (الشرعية)، كما أنها جاءت بقوة السلاح والتشويه الإعلامي المتعمد لصورة الرئيس المعزول “مرسي” وجماعته على أنهم إرهابيون.
وفي السياق، يرى مراقبون أن الرئيس “السيسي” قادر على إعادة الأمن والاستقرار إلى مصر في الفترة العصيبة التي تعيشها، كما سيكون باستطاعته تمكين مصر من استعادة دوريها الدولي والإقليمي، معللين ذلك بأنه أثبت أنه يلعب الدور الريادي في تحرير الإرادة المصرية من التبعية للقوى الغربية، وعلى رأسها أمريكا، وأنه أعاد إلى مصر حقها في أن يكون لها قرارها الوطني المستقل، والدليل على ذلك زيارته التاريخية إلى روسيا في محاولة منه لتنويع مصادر السلاح للجيش المصري، فهو مدرك لأبعاد الأمن القومي ويلمّ بها، ولديه من المعلومات والرؤية الشاملة ما يمكنه من فعل الكثير، فالرجل لديه من كفاءة الإدارة والرؤية الإستراتيجية ما يمكنه من إدارة شؤون البلاد، كما أن لديه مصداقية القيادة الرشيدة لدى جماهير الشعب المصري التي نادت وطالبته بالترشح في بلد ينتظر أن يعيش مواطنوه على قدم المساواة دون تفرقة دينية، الأمر الذي دعا الأقباط في مصر إلى التعبير عن عدم رضاهم لحكم (الإخوان المسلمين) الذي اتهم بممارسة الإقصاء حتى بين أبناء مصر من المسلمين، وسميت هناك بسياسة (الأخونة) التي صاحبها فشل ذريع في إدارة الدولة المصرية وتدهور اقتصادي لم تقدم معه وصفات لحل الأزمة، بينما المؤمل وفقاً لمراقبين أن ينهض “السيسي” بمصر اقتصادياً، ويستفيد من مواردها كافة العلمية والاقتصادية، وعبر الاستفادة من دعم بعض الدول العربية النفطية له.. كما أن عودة مصر إلى دورها الطليعي تعزز الثقة في دعوتها لإقامة تكامل عربي من أجل مصلحة الشعوب، وفقاً لاستقلال القرار.