أخبار

الدوائر مشغولة!!

كلها… وليس بعضها.. ألا يستحق ذلك أن نسأل أنفسنا ما الذي يشغلها كلها.. وقبل ذلك هل فكرنا يوماً ما هي تلك الدوائر.. ولماذا هي دوائر وليس مربعات أو مستطيلات..!.
يقولون إن دوائرهم كثيرة جداً جداً جداً… فكيف هي مشغولة إذن.. وكلها.. هذا يعني ببساطة أن لحظة انشغال الدوائر، الجميع يتحدث والبعض الآخر ينتظر فرصته ليتحدث… نحن قوم نستحق فعلاً أن نوضع ضمن موسوعة (جينس) في الكلام.. الكلام الذي لم يكن من قبل بقروش.. ولكنه الآن بقروش (متلتلة).. ندفعها راضون قانعون.. بل نجنب لها مخصصاتها أولاً بأول.. حتى لا تنقطع خطوط الكلام.. ونعتقد أننا نعيش في عزلة..!.
وهل من لا يملك (هاتفاً نقالاً) هو في عزلة بحق… ألا يحمل هذا الكلام الكثير من المبالغة؟! هناك بشر كثيرون في العالم من الوجهاء ورجال الأعمال والمناصب الحساسة لا يحملون (الموبايل) هل هم معزولون.. ورئيس تحرير صحيفة (الوطن) العمانية التي كنت أعمل بها لم يكن يحمل هاتفاً جوالاً.. وكان يجيب على سائليه عن السبب بأنه إما في المكتب أو المنزل وفي الحالتين هناك هاتف ثابت.. أما لحظة قيادته للسيارة فهو لن يجيب على أحد.. احتراماً للطريق وطلباً للسلامة..!.
بيننا أطفال لم يتجاوز عمرهم السابعة يحملون الموبايل.. وبيننا نسوة ورجال تجاوزوا السبعين يحملون الموبايل.. وهناك عطالى كثر.. لكنهم أيضاً يحملون الموبايل.. وكلنا يحمل الموبايل ولا يذهب بدونه خطوة واحدة.. وحين ضياعه تتوقف حياتنا تماماً.. ونعيش طقوساً جنائزية ونعتذر عن فعل أي شيء.. حتى أداء واجباتنا ومهامنا.. لأن الموبايل راح أو سرقوه.. أو ضرب شاشة..!.
والدوائر ما زالت مشغولة.. وهو مصطلح يسعى لإضفاء المزيد من الأهمية على المكالمات و(الهواتف) ومأخوذ من دوائر أخرى كالدوائر الانسيابية والدوائر الجغرافية والدوائر السياسية وكلها دوائر لا تنشغل مثل دوائر الهواتف النقالة لأن من يقفون في طوابيرها أقل بكثير ممن يقفون في طوابير الدوائر (الكلامية)… وتلك الدوائر الأخرى قد تدفع للناس.. ولكن دوائر الكلام لابد أن تدفع لها وإلا كنت خارج الشبكة.. وبالتالي خارج النظام الكوني الجديد!!.
إن الذي اكتشف الدوائر واخترع شكلها وضع في مخيلته (الصورة الدائرية) التي تجعلنا ندور في فلكها ولا نستطيع أبداً الخروج منها.. وهكذا سندور وندور.. تنشغل الدوائر أو لا تنشغل.. فالعالم في دائرة ومحكوم بالدوائر.. ومن يصيبه الدوار عليه بالمسكنات وما أكثرها فهي أيضاً دائرة أخرى كبيرة تبدأ بالأسبرين ولا تنتهي بالبندول.. فلا أحد غالباً يموت بلفة الرأس.. ولكن هناك من يدفع حياته ثمناً لهاتف دوار.. وهناك من قد يتبخر في الدوائر المشغولة.. كان هنا ثم تلاشى.. لم يكن يفارق موبايله أبداً.. عليه الرحمة.. كان من أكثر (النضامين) ودافعي قروش الدوائر أولاً بأول.. عليه الرحمة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية