حديث لابدّ منه (13)
قلت إن اللجنة المركزية أعلى سلطة للنقابة العامة للسكة الحديد والنقل النهري والمرطبات سوى المؤتمر العام هو السلطة الأعلى، حيث يضع الخطط ويراجع أداء اللجنة المركزية ويستمع إلى خطاب الدورة ثم النظر في الجوانب المالية وفحصها، وتتمثل في اشتراكات المنضوين تحت لواء النقابة العامة لعمال السكة الحديد والنقل النهري والمرطبات.. إذن اللجنة المركزية بعد تكوينها الجديد ينتظرها دور كبير ومسؤوليات جسام كيف تنهض بالسكة الحديد وقد ضعفت حلقة المسير أو قل ضعف القوى الساحبة المتمثلة في القاطرات؟ حيث إن أغلب الوابورات معطلة من عدم الإسبير بالذات قاطرات الديزل، وأغلب الوابورات العاملة وقتها كانت محاصرة من قطع الغيار والاسبيرات، وذلك لدور المعارضة السالب في إغلاق مكتب لندن الذي يدار بواسطة السكة الحديد وتجلب من خلاله الاسبيرات وقطع الغيار.. الوابورات كانت الإنجليزية، وهي أميز الوابورات، باعتبار أن الإنجليز احتلوا السودان وعرفوا مناخه تماماً، ثم الوابورات اليابانية، ثم الألمانية، ثم الأمريكية. كان هذا تحدياً يواجه هذه النقابة لأنها لا تستطيع أن تحقق مكاسب للعمال، ودولاب العمل يصيبه بعض الشلل، فكان أول شعار رُفع من النقابة الجديدة رفع الروح المعنوية للعمال، توفير الاسبيرات، إعادة النظر في بعض الإداريين لأن الخلل الإداري قد يكون أكبر معوق للأداء والعمل، حيث لا تتوفر القدوة الحسنة المطلوبة التي تدفع العمال للإبداع والعطاء والابتكار.. بدأت النقابة بمعالجة الضائقة المالية التي يعيشها العمال، وذلك بمقابلة السيد وزير النقل وقتها الأستاذ “عبد الرحمن عبد الله” طيب الله ثراه، وبالفعل سافر وفد اللجنة المركزية وهم رئيس النقابة، وسكرتير عام النقابة.. وقد سبقت الإشارة إلى تكوين قيادة النقابة، ولكن للذكرى والربط أقول مرة أخرى ثم أعود للموضوع.. إن قيادة النقابة تتمثل في المكتب التنفيذي الذي كان من الآتية أسماؤهم: “عباس الخضر” رئيس النقابة، “عبد الله البشير” نائب الرئيس، “حسين محمد الحسين” السكرتير العام، “حسن أحمد مِتّي” أمين الخزينة، “محمد عثمان عباس” نائب السكرتير العام، “أحمد مضوي عبد المجيد” وكيل النقابة بالخرطوم، “بابكر الخليفة الشبيكي” ممثل النقابة في مجلس الإدارة.. كما قلت، ذهبنا إلى الخرطوم من أجل معالجة عاجلة، وعند وصولنا قابلنا الأخ الوزير “عبد الرحمن عبد الله”.. ومن حسن الطالع وجدنا معه مدير عام هيئة السكة الحديد وقتها المهندس “وصفي”، وكما قلت كان قوياً في اتخاذ القرار، وذكرت للوزير ظرف العمال الماثل الذي يحتاج إلى معالجة عاجلة لأن عيد الأضحى على الأبواب، وقد أحرقت السوق المرتفعة كل ما لديهم، وكان الأمل أن تعمّ الفرحة أسرهم وأطفالهم، فكانت تلك الرحلة بعد فشل الاتصالات الهاتفية والمذكرات، وقد فكرنا بأن يُصرف راتب شهر كامل لكل العاملين عمالاً وموظفين، رغم أن للموظفين نقابة عامة، لكن رأينا أن يكون ذلك عاماً للظروف التي يعيشها الجميع، وأن يكون ذلك خصماً على مشروع تقويم وترتيب الوظائف، وحاولنا ألا نسير في طريق النقابة السابقة التي كانت تطلب سلفيات تخصم من العمال فيما بعد، وبلا شك هذا يؤثر عليهم خاصة الخصم ولو على أقساط.. قلنا للأخ الوزير “عبد الرحمن عبد الله”: نود أن نجلس معك ونناقش بعض القضايا العاجلة، واستمرت الاجتماعات والوعود لأسبوع كامل من أجل صرف راتب شهر للعاملين خصماً على التقويم، وكثرت الشائعات في عطبرة من ظرفاء المدينة بأن وفد النقابة لم يجد من يقابله، وأنه لن يستطيع أن يفعل شيء وسوف يعود بـ(خفي حنين).. وفي اجتماع ضمني والأخ الوزير ومدير عام السكة الحديد قلت للأخ الوزير: إذا لم تصدق هذا المبلغ اعتبرني من هذه اللحظة معتقلاً، وهذه إشارة يعرفها أولو الألباب، وعندها قال المهندس الراحل طيب الله ثراه “محمد عبد الرحمن وصفي”: أخي الوزير اعتبرني أنا معتقل مع الأخ “عباس الخضر”.. في هذه اللحظة، قال له الأخ الوزير “عبد الرحمن عبد الله”: هل عندك فائض من المال يحل هذا الإشكال؟ قال الأخ المهندس “وصفي”: أنا لديّ مبلغ في حدود (2) مليون جنيه وربع المليون يمكن أن يحل مشكلة العمال شريطة ألا يطالب الأخ “عباس” بإضافة الموظفين. قلت عندها: نحن لا نعزل أحداً، العمال والموظفون يكمل بعضهم بعضاً. فقال له “عبد الرحمن عبد الله” وزير النقل: كم يكفيك من المال؟ قال: إذا كان لكل العاملين نحتاج إلى حوالي (4) ملايين ونصف المليون. فقال له الأخ الوزير: تصدّق ودبر أمرك. فما كان لي إلا أن شكرتهما على هذا الموقف الذي يجد منا التقدير والاحترام، وأخبرت الأخوة بالنقابة بذلك، وكانت بشرى عظيمة وبداية حسنة وطيبة، مبلغ شهر كامل وشامل ويخصم من عائدات تقويم وترتيب الوظائف الذي لم يحدد بعد، حتى أسسه ومعاييره لم تتضح، فكان هذا انتصاراً كبيراً للأخوة العمال الذين حملونا ثقتهم، وقد وصلت الأنباء إلى عطبرة وعمت الفرحة كل العمال وظرفاء المدينة الذين كانوا يهمسون ويشيعون أن لن يحدث انتصار لهذه النقابة ولن تحقق شيئاً ولن يقابلها أحد من المسؤولين، صمتوا.. بعد ذلك حدث تغيير شمل الأخ الوزير “عبد الرحمن عبد الله” وكُلف بدلاً عنه الأخ اللواء “مصطفى عثمان حسن” المعروف بـ(مصطفى جيش).. كُلف الأخ اللواء “مصطفى” بمنصب وزير النقل.. هل تغير الموقف؟ هل جدت أمور أخرى بعد هذه الفرحة التي عمت؟؟ هذا ما نقف عليه في العمود القادم بإذن الله تعالى.