«نايل» .. واثق الـخطوة يمشي رغم معاول الهدم ورسائل الإحباط!!
منذ ظهوره المميز في أولى حلقات البرنامج، لفت المتسابق السوداني ببرنامج (أحلى صوت) «نايل» الأنظار إليه بشدة.. وكان ثمة ما يبرق في عينيه وما يميز ملامح صوته ويبشر بظهور موهبة بمواصفات خاصة تبحث عن موطئ قدم للمواهب السودانية، تقول لمن يحدق في كل اسم يترادف مع بلاد النيلين، إن لدينا كثيراً من المواهب والقدرات الفطرية قادرة على لفت الانتباه، وتثبت لمن شكك في فطرتنا السليمة التي تستقبل الصباح بصوت «فيروز»، وتدمع مع آهات «أم كلثوم»، وتحتفي بالصوت المناضل «تيدي آفرو» وتهتز فيها سخونة أفريقيتها مع حنجرة «مريم ماكبا»، وتغزو شرايينها أغنيات «بوب مارلي». إن ذائقتنا الفنية سليمة معافاة لم تنقص منها شرور الحرب مقدار قطمير، ولا هد فؤادها تكالب الأزمات.
} ملامح سودانية
كان ظهور «نايل» في برنامج اكتشاف المواهب الغنائية الأشهر في الوطن العربي، سانحة مواتية لبروز موهبة بمواصفات سودانية لم تجد حظها في إعلام يحتفي بكثير من الهوامش ويطلق العنان لمطربات الهوامش و(الدلاليك) ليتسيدن الظهور في كل الأوقات. ووجد فيه كثير من الشباب السوداني معبراً عن آمالهم، وبدأوا في مساندته رغم أن معظمهم لم يكونوا قد سمعوا به لأول مرة في (أحلى صوت). كانت ملامحه السودانية وصوته الأسمر وتأكيده في كل مرة على الاعتزاز بسودانيته والتحدث بلهجتنا المحلية.. هو ما جعل الفضاءات الاسفيرية تضج بالكلمات والبوستات المشجعة له، ولم يكتفوا بذلك بل إنهم اقتطعوا من قوت يومهم ليساندوه في ماراثون التصويت.
أستاذنا الكبير قيمة ومقاماً «ميرغني البكري» دائماً ما كان ينبهنا عندما نقسو على مطرب شاب بقوله: (دعوا الأزهار تتفتح)، ولكننا كنا نقول له إننا لسنا ضد تفتح تلك الأزهار، ولكن ننتقدها فقط لكي نمنع انزلاقها إلى الأعمال الغنائية التي لا تخدم تجربتها. تذكرت مقولة شيخنا «البكري» وأنا أقرأ كثيراً من الكتابات التي ألهبت بكلماتها مشاركة «نايل» في البرنامج العالمي والاقليمي الكبير.. لهجة حادة للغاية كانت تصوبها تلك الكتابات منتقدة غناءه باللغة الانجليزية، ولم تكتف بذلك بل ذهبت إلى أبعد منه حينما حرضت الكثيرين على عدم التصويت له!! لاسيما مع تقدمه في مراحل البرنامج المختلفة حتى وصوله أمس الأول إلى المرحلة النهائية، وبدأت في تصيد تصريحاته عبر البرنامج!!
} أصوات شاذة
تلك الأصوات المنفردة، التي تعزف لحناً نشازاً، تعامت عن إبصار حقائق مهمة للغاية غنمها السودان من مشاركة «نايل»، أولها إظهار أن بلادنا قادرة على إنتاج ما يسعد الناس بدلاً عن تصدير أخبار الحروب والقتل، وكشف للعالم أننا لسنا منغلقين على تراثنا الفني فقط، وأن الذهنية التي ترمقنا بالريبة والشك من شأنها أن تعدل ولو جزءاً يسيراً مما تختزنه تجاهنا. كما أنه حمل على عاتق صوته أحلام جيل بأكمله يرى فيه إمكانية تحقيق النجاح رغم أكوام التجاهل وتكسير أجنحة المبدعين بالتخاذل والاستقطاب الاجتماعي، وقهر الظروف الحارقة. لم تشأ تلك الأصوات أن تسهم في تفتح الموهبة السودانية، ولكنها شحذت معاولها لكي تهدم وتكسر ما بناه «نايل» بجهده وماله لكي يفتح لنفسه ولموهبته فضاءً أرحب، وكاد مسعى تلك الأقلام يتحقق لولا أن أنقذته المطربة المحبوبة «شيرين عبد الوهاب».. نعم نصرته «شيرين» حين خذله أبناء جلدته بعد أن سعوا بين الناس لهدم موهبته!! كان «نايل» طوال مراحل التسابق الماضية يحقق أعلى نسبة تصويت من بين المشتركين، ولكن في حلقة أمس الأول تفوقت عليه المتسابقة المصرية «وهم»، ولكن اقتناع «شيرين» بموهبة «نايل»، وأنه أفضل ما أنجب السودان، كتب له أن يكون من بين المنافسين بشدة على اللقب خلال الفترة المقبلة.
الفن لا جنس له.. ولا لون أيضاً.. وإن كان «نايل» قد تغنى بالإنجليزية، فهو قد اختار اللغة العالمية.. هو الآن يمثل السودان بلهجة يفهمها كل العالم.. و(كاراكتر) «نايل» الذي ينافس به في البرنامج الأشهر هو ذاته (الكاراكتر) لكثير من طلاب الجامعات والشباب السوداني.. وذات السحنة والزي واللغة والأحلام المكبوتة.. ادخلوا إلى الجامعات وأمعنوا النظر في طلابها إن كنتم ترون في «نايل» أنموذجاً لا ينتمي لبيئتنا.. لتروا مليون «نايل» ينظر إلى المستقبل بأمل وألم.. نماذج لشباب يضج حيوية غلت يداه بضيق الإمكانات وسواد المستقبل والسأم مما هو آت.. وحتى إن أتى فإن سواعد الهدم التي تسعى الآن لهدم «نايل» سوف تمتد لتنال من أحلامهم وحقهم في الحياة والنجاح!!