بيت الضيافة
كنت أحسب أن تقديراتي بشأن الإرجاء المتكرر للقاء “البشير” و”الترابي” والذي تمت التسريبات وتعددت بشأنه صحيحة، فقد زعمت أن هذا الإعلان ثم عدم انعقاد اللقاء سيضعف الاهتمام السياسي والتركيز به، وأن اللقاء الذي عد نقلة كبرى في مسار اتجاهات الحوار والوفاق بالبلاد يتعرض لحالة إفراغ بكثرة الوعد وعدم التنفيذ إلى أن أُعلن ظهر (الخميس) وعلى نحو مفاجئ أن اللقاء سينعقد بعد ساعات، وقد كان حيث التئم الفريقان بكامل تشكيلة الصف الأول في (المؤتمر الوطني) و(الشعبي)، فأتى إلى جانب “البشير” نائبه وساعده “بكري” ثم “الزبير أحمد حسن” وثلة من الرموز ولا أقول الحرس القديم، فيهم “طه” و”الجاز” ثم “نافع” مما افتقدت مع الدكتور “غازي” وأن أحسست به حاضراً بشكل أو بآخر!
(المؤتمر الشعبي) كذلك أتى بأهل السبق وشيوخ ثقات، وأخرج من كنانته غالب من يسمون في الاصطلاح التنظيمي (البدريين)، وحضر “محمد الأمين خليفة” و(الدفعة للدفعة رحمة) وأتى (شمار) وظهر “ساتي” وقطعاً لا ينعقد لقاء مثل هذا ويغيب “السنوسي”، وبدا جلياً أن اللقاء وإن كان سياسياً فإنه كان قريباً من فقه الرياضة، حيث إن مثل هذه المناسبات لا تخاض بأية تشكيلة وإنما هي قائمة خاصة للكبار وأصحاب القدرات، وبالأمس ظهر (المؤتمر الوطني) في نسخته الأصلية وكذا (الشعبي).
مساء (الجمعة) كان يوماً وساعات اتسعت فيها مساحات التحليل والتخمين ووصلت الأمور وتعقدت عند البعض والأمر سيكون هماً يتجاوز حتى تحليلات أو ضرب الرمل بالداخل إلى آفاق أبعد، ولست مبالغاً إن زعمت أن المقابلة ستكون حديث كل المراسلات الخارجة من الخرطوم ليلتها، ويبدو أن الإنقاذ في طور صناعة حيرة أخرى أمل ألا يطول اعتكاف بعض القوى السياسية حولها خاصة وأن الشيخ والرئيس قد اتفقا على تسريع خطوات الوفاق وتظهير مخرجات الحوار ولكي يكتمل هذا التسريع بالصورة المناسبة، فالمطلوب من كل الآخرين ترك هواجسهم جانباً طالما أنها ظنون ولا أدلة قطعية بشأن اقتسام الإسلاميين للسلطة مرة أخرى بعد تراجع مساحات (الغبينة) وإدراك الطرفين أهمية المصير المشترك.
اجتماع (الجمعة) سيحقق طفرة معنوية في قواعد الحزبين، وسيجعل من كل (المؤتمر الشعبي) و(الوطني) في أحسن حالات حضوره السياسي والإعلامي وهو بالمقابل سيصيب الآخرون بحساسية (كرف) اتجاهات الريح وما تحمل من مخرجات غير معلنة حسب ما يظن هؤلاء رغم أن المناسبة في رمتها لم تكن أكثر من (فك نحس) وطرد لعنة و(قد لعن الشيطان) في اجتماع الطرفين عقب سنوات من القطيعة والتشاحن والنزال الذي يحسب فيه لـ(المؤتمر الوطني) وخصمه (الشعبي) عدم انحداره بالفرقاء إلى مقتلة أو دماء كما في النسخة اليسارية عقب خروجها على (نظام النميري) أو خروجه عليهم.
في مثل هذه الظروف من الأفضل إحسان الظن بالظواهر وبما جرى، وقليل من الحكمة والتريث وتغليب الصالح الوطني العام لن تضر الذين انتظروا خارج الغرف، وفي الأيام متسع لتأكيد أو نفي ظن كل طرف حسناً كان قبيحاً.