الاعتراف بالخطأ!
لماذا لا نعترف بأخطائنا؟ أليس الاعتراف بالخطأ فضيلة؟! وأليس تجاوز الخطأ يحتاج بدايةً الاعتراف به؟.. فلنعترف إذن بأخطائنا بدلاً من التستر عليها وغض الطرف عنها.. ولنعترف بأن الأخطاء “المسكوت عنها” وهي كثيرة وعديدة ظلت تؤسس لجانب كبير من تخلفنا وتراجعنا وفشلنا.. كل الوزارات و المؤسسات الحكومية منها والخاصة تجيد فن الثرثرة عن منجزاتها ونجاحاتها وتنشر ذلك وتروج له في الأجهزة الإعلامية المختلفة، وتقيم لأجله اللقاءات التنويرية التي تسلط الضوء على النجاح وتمارس بامتياز التعتيم على الفشل وكأننا ملائكة لا تخطيء أو معصومين عن الخطأ!!
إن الصورة الوردية الزاهية والأنيقة التي ظل يتبرع بتقديمها مجاناً كتبة التقارير الإنشائية لرؤسائهم في العمل هي التي جعلت هؤلاء المسؤولين يعيشون في عزلة عن واقعهم وقطيعة مع مجتمعهم، فلا ينظرون إلاَّ للجانب المضيء من الأداء العام ولا يرَون أبعد من ما تضخه لهم تقارير كتبة المدح والإشادة والثناء!!…
إن الاعتراف بالخطأ يتجاوز مجرد المحاسبة و العقاب إلى اكتشاف أسباب الخلل ومواطنه للعمل على معالجته وتفاديه وعدم تكراره.. كما أن الاعتراف بالخطأ يعني النقد الذاتي الموضوعي وليس جلد الذات.. وهي عادة سيئة دأب البعض على إقامة طقوسها السوداوية التي لن تعيد ما فات بقدر ما تشعل الحرائق في الذي تبقَّى و تفوت الفرصة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه!!
وأعجب ما فينا أيضاً أننا نُصدِّر أخطاءنا ونحولها لغيرنا ونتملَّص من تحمل مسؤوليات الخطأ الذي ارتكبناه بأيدينا وحين تأتي ساعة الحساب و المراجعة نقاوم بضراوة عن الخطأ الذي اقترفناه ليصبح لا محل له من الإعراب وليقع خارج دائرة اختصاصنا ونطاقنا، وأن الآخرين هم الذين وقعوا فيه بقصد أو غير قصد.. وهم بدورهم يصدرون الخطأ لغيرهم.. وهكذا يدور مسلسل التملُّص وكأن الخطأ لا أب شرعي له.. وحين يضيق علينا الخناق ونقر مضطرين بالخطأ- لا يتجاوز الأمر مجرد إعلان “الاعتذار”.. وثقافة الاعتذار على أهميتها وضرورتها لا يمكن أن تتحول إلى شماعة جاهزة وفي متناول اليد لتعليق كل أخطائنا و فشلنا ولا يمكن أن تصبح نهاية سعيدة لمأساة تحمل بين طياتها خطأً مركباً ومعقداً لم نفلح في محاصرته وتطويقه في مهده فتركناه كالسرطان ينهش في أشيائنا وأفكارنا وأعمالنا.. ثم وبكل استسهال نعتذر!!
فلنعتذر لما لا؟!.. فالاعتذار ربما هو إعلان مهذب و إقرار أنيق بالخطأ.. و الاعتذار ربما هو مدخل للصلاح والإصلاح، ولكن هل كل النوايا تصدق وهل هي حسنة و نظيفة و أمينة على طول الخط، أم أن ثمة تحايل من نوع آخر نمارسه على أخطائنا و ندمن تعاطيه أناء الليل والنهار؟! و عليكم بإحصاء كلمة “معليش” التي تضخها أفواهنا ملايين المرات كل يوم لتعرفوا كم حققت رقماً قياسياً خيالياً يسمح لها بالدخول في موسوعة “غينيس” وعلى نحو يفقدها بريقها و مفعولها و قيمتها.. و”معليش” على هذه الاعترافات الصريحة جداً.. و”معليش” على “معليش”!!…