لوردات النضال والنصال
صاح علي الاسكايبي (الرصاص لن يثنينا) وصب على مدونته كتلاً من حمم الغضب الثوري، ولعن السلطان وزمرته ودجاجه الإلكتروني، وحرر منشورات حائطية عن الثورة والعدالة، وهاتف صديقته لتلتقيه في (بيتزا كورنر). ولم ينسَ قبل أن يصل إليها مناشدة صديقه في الـ(واتسب) إمداده بالصور للتشييع العريض، معتذراً بأنه ربما يكون هو مراقباً في مثل هكذا أحداث ! ولهذا فإنه يعتذر للرفاق عن حضور ملحمة المقابر.
حينما وصل إلى بيت (البتزا) لم ينسَ قبل هبوطه من سيارته أن ينثر رزازاً من العطر على جسمه مركزاً على راحة يديه. وأصلح ياقة قميصه ومسح بمنديل ورقي حذاءه ليلمع أكثر، ثم هبط على صديقته وتحدثا طويلاً عن الأعمال وغيرة صديقتها “رزان” وسخافة دفعتهم “نزار”. وقضى سحابة يومه في ثرثرات من تلك الشاكلة ثم دعاها لتناول حجر (شيشة) على حواف حوض السباحة بالفندق الكبير وودعها بعد ذلك. في كل هذا لم ينسَ صاحبنا أن يرسل كلما سنحت الفرصة هاتفاً نضالياً في (القروبات). وبلغت به الحماسة أن زعم في الخاص لأحد أصدقائه من الخارج، أنه الآن في (صيوان) عزاء الشهيد !
قلت من قبل وكررت أن اعتياد الناس على أخبار الموت والفجيعة الواردة يومياً من دارفور، سيفقد أهل الإقليم حميمة التعاطف مع الضحايا منهم، وسيكون الجناة في كل الأحوال بمنجاة من اللوم لأن كثرة الطرق والتداول ستجعل من حادث قتل عشرة أو حرق سوق أخباراً معتادة وماركة مسجلة، ثم بمعاودة النشر والتداول تتحول المسألة إلى أمر أقرب ما يكون إلى هبوط ذبابة بوجه أحدهم إن شاء هشها وإن شاء صبر عليها. ومما يفاقم هذا الموقف السالب ثبوت أن كل أو أغلب الدمار الكائن الآن والذي طال الأنفس والحياة، فالجناة الأساسيون ولوردات الحرب والسلام فيه أبناء الإقليم أنفسهم، ولهذا فستبقى في الراجح أيما أزمة وحدث يرتبط بدارفور مطية لكل أصحاب الأغراض. الحركات المسلحة ستستفيد من أي احتقان لتثير الفوضى، والسياسيون ممن لا يصنفون كمتمردين ولكن تجمعهم صفة (مسقط الرأس) والهوية القبلية، كانوا بالحزب الحاكم أو بلا لون سياسي سيجدون في ظل الأزمة فرصة لتسويق أنفسهم.
إن الوقت قد حان وأزف لإيقاف هذه المتاجرة الرخيصة، بالناس والوطن، وأرواح الأبرياء، وللحكومة دور في هذا ولكن الدور الأهم والأول يجب أن يكون على عاتق أبناء دارفور كلهم، خاصة النخب المستنيرة من طلاب الجامعات ورموز الوعي العام ممن لا تستقطبهم خرافات وجهالات القبلية والعنصرية. ويجب محاصرة كل المتاجرين وباعة سموم أوهام التهميش والاستهداف، فما يقتل الدارفوريين إلا الدارفوريين أنفسهم. وانظروا إلى ما يحدث الآن في شمال دارفور وقبلها ما جرى في كل الولاية العظمى، هل أتى جناة من المريخ أو من وراء المحيطات. إنهم ببساطة سادتي طلاب السلطة والنفوذ وهؤلاء صف طويل، بعضهم أمام بوابات السفارات وبعضهم لا يتحرج أن يقف أمام القصر الجمهوري والمؤتمر الوطني.