أخبار

إبعاد..!

كثر الحديث عن الوجود الأجنبي وضرورة ضبطه، واتخذ القوم في هذا مسارات شتى، ما بين متطرف يبلغ في مقصده حد الإزالة وبين متعاطف يقول بالتخفيف، وتخف في هذا الخضم السلطات المختصة ولها تقديراتها التي كثير منها سياسي يتم الإيماء به ولا يشار إليه، وبعضها أمني، وبعضها تقديرات أخرى.. ولكن الجميع في هذه الأطياف متفقون على أهمية الضبط لكونه سلوكاً مكفولاً للدولة والسودان لأن يكون بدعاً فيه بأن يسأل الغاشي والماشي من الأجانب على أرضه من هوياتهم وكيفية توفيق أوضاعهم القانونية والهجرية.
الوجود الأجنبي ومن واقع خبرة ومباحث ميدانية ادعى أنها شحيحة لكنها ذات جهد ليس الخطير فيه الانتشار والتمدد على كامل السودان، فلم تعد القضية أزمة لولايات حدودية شرقاً أو غرباً أو جنوباً، ولكنها صارت تأخذ أبعاد الهبوط على الخرطوم (فجأة)، وأعتقد أن هؤلاء أخطر فئات الأجانب الواجب إبعادهم من مطار الخرطوم أو التشدد في إجراءات دخولهم، وأعني بهم مجموعات من المبعدين والمبعدات خاصة من بعض الدول العربية لمخالفات مالية أو محاذير صحية، وهذا يقود إلى أهمية أن يكون القسم القائم بأعمال مثل هذه التسويات الهجرية بالمطار تابعاً مباشرة لشؤون الأجانب، فالعمل ليس محض إجراء تسجيل لأجنبي والسماح له بالدخول، لأنه حالما يطأ أرض ديارنا فلن يعود مرة أخرى للخارج.
أمر آخر غريب، وقد وقفت على أمثلة له، أن بعض الأجانب يخرجون من ديارهم مثلاً بطريقة التسلل إلى السودان أو يكون لبعضهم إشكالات قانونية في بلده لكنه يتسلل من وراء ظهر سلطاته إلى وطننا، ورغم أنه بالقانون يجب أن يحاسب، فإن من بدع إجراءاتنا أن هذا المتسلل يمكن أن يأتي ويزعم للسلطات الهجرية لدينا بأن جوازه مفقود، فتتم له تسوية يسيرة، رغم أنه قد يكون أقام بهذا الوضع نحو عشر سنوات أو خمس، ثم يأتي بجواز سفره الذي تسلل به وخبأه ويمنح عليه إجراء توفيق وضع، وقد يغادر من السودان إلى بلد أوروبي لأن زيارة وفيزا قد أرسلت إليه من هناك، ولم يكن ليحصل عليها لو انتظرها في بلده!
هذه المسائل تفاصيلها كثيرة، ولهذا أعتقد أن القضية برمتها بحاجة إلى حوارات عميقة وتدارس واسع النطاق تتكامل فيه جهود السلطات الشرطية وجهود منظمات المجتمع المدني، وكل من يملك ذرة معرفة واختصاص لتكوين أرضية مشتركة تعين القائمين على بوابات هذا الضبط للتجويد والعدل والإحسان، فما كل الوجود الأجنبي قبيح، ففيه أبعاد إيجابية وتواصل إنساني وتلاقح أفكار ومجتمعات، وما كل الوجود الأجنبي كذلك مفيد فتحت غطائه تتمدد الأنشطة الهدامة أمنياً واجتماعياً، وقد يحدث إن لم يحاصر بالإجراءات والوعي تصدعات خطيرة في سلوكيات البعض، وإن كنت أعتقد أن المجتمع السوداني به قدرة عالية على صهر تلك التأثيرات وتحويلها إلى طاقة أفضل في التواصل والتعايش، فقد لاحظت أن مجتمعنا يطبع سمته وبصمته على القادمين ويسودنهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية