حادث الحصاحيصا
الحادث المؤسف الذي وقع بمدينة الحصاحيصا عند انفجار حمولة (22) ألف لتر محمل بالغاز، أثناء تفريغ عبوة من الغاز لأحد المخابز وأدى لوقوع ضحية وجرحى، بخلاف حالة الذعر التي أثارها والتلوث البيئي الذي يعني أن الأضرار ستستمر لفترة، حادث يعيد إلى الواجهة العشوائية في كثير بشأن هذه الأمور، إذ لا إجراءات سلامة وأمان صارمة تتبع في مثل هذه العملية، كما أن مواصفات إقامة مخابز تعمل بالغاز تتطلب مساحات ومواقع جغرافية تراعي مخاطر عملها، ولكنها في الحصاحيصا أقيمت في وسط السوق، ولهذا كان من الطبيعي أن يصاب نحو (150) مواطناً بالجروح والشظايا ولو لا لطف الله لكانت الكارثة أفظع.
التصديق للأفران والمخابز التي تعمل بالغاز في كل العواصم والمدن مسألة تتم وفق اشتراطات قاسية، تراعي مساحة المحل وزاوية إطلالاته على الشارع. ويتم التشدد في ابتعاد الموقع عن مواقع التجمعات من مدارس ومساجد، وكذلك محطات الوقود (بالمناسبة الغاز في كثير من مدننا يباع كملحق في محطات خدمة البنزين والجاز)، ولهذا فمن المؤكد أن أغلب عمليات نقل الغاز سواء المستخدم لأفران المخابز أو الاستخدامات المنزلية عبر منافذ التوزيع، يتم التعامل معها في السودان بطريقة عشوائية، ولولا لطف الله لطالنا كثير من الأذى والحروق والفجائع.
من قبل وبأم درمان بمدينة الثورة وقع انفجار مماثل قضى فيه مواطنون وجرح آخرون، وأغلب الظن أن السلطات المحلية تعاملت مع الحدث باعتباره قضاءً وقدراً وطويت صفحته ولم يتعظ أحد. وهو ما يدعونا لضرورة أن تتعامل المحليات والجهات المخول لها متابعة مثل هذه الأعمال بقدر أكبر في الحرص والتدقيق والمحاسبة، فالأمر ليس محض تصديقات تمنح بعد حشو استمارات الطلبات بالتصديقات والتوقيعات، ودفع الرسوم المقررة وهي النقاط الأهم لدى سلطاتنا، فطالما أنك تدفع وتصبر على جرجرة الموظفين فإنك في النهاية ستنال مبتغاك. ولا توجد جهة قادرة على إلزام صاحب مشروع بمراعاة الشروط وتطبيق مطلوبات السلامة حرفياً، فتلك أمور لا يتذكرها أحد إلا حين وقوع الكارثة.
من حق السلطات إعانة المواطنين على العمل والتجارة لا شك في ذلك، ولكن ليس من حقها إسقاط مطلوبات تحفظ سلامة الناس وعموم المواطنين وأولئك التجار أنفسهم. وما حدث بالحصاحيصا وما سيحدث في مواقع أخرى يجب أن يستدعي حملة صارمة وقوية لمراجعة كافة المواقع، سواء أكانت دكاكين بيع أسطوانات الغاز – إن وجد – أو الوسائل والمركبات العاملة في نقل حمولات كبيرة وضخمة إلى الأفران. وما أستطيع التأكيد عليه أننا سنصاب بالذعر من هول الإهمال الكائن الذي سيكون جريمة حال تم السكوت عليه. فقد لاحظت مثلاً في كثير من دكاكين البيع للمواطنين أنها صغيرة وتكاد تتسع لشخصين، والأسطوانات مكومة من كل الأنواع والشركات وبعضها (يسرب)، وكثير منها مشروع قنبلة جاهزة للانفجار. وأما الأخطر والأشد إرعاباً أنها دكاكين ملاصقة للمنازل في وسط الأحياء السكنية، مما يجعل تفجر أي منها ..مقتلة !