أخبار

تكشيرة وابتسامة!!

إننا نحب الوجوه المبتسمة.. فالابتسامة تدعونا للاطمئنان وتحفزنا على كسر الحواجز بيننا والآخرين.. كما أنها تحرضنا على الحياة ضمن سقف متفائل ومليء بالأمل..!
ولا بد لي من الاعتراف بأنني ضعيف جداً أمام من يبتسم في وجهي.. حيث أشعر وكأنه يعرفني وأعرفه.. ويبدو أليفاً بالنسبة لي.. وعلى عكس ذلك تماماً فمن يرسمون (التكشيرة) على وجوههم أجدني مسرعاً في طي لقائي بهم..!
وأول درس لمن يشتغلون بالعلاقات العامة أو تكون طبيعة عملهم مرتبطة بالآخرين أو (الزبائن) كما يسمونهم، هو ضرورة تعلم فن (الابتسامة)، حيث لا يعقل أن تكون مقابلة العملاء والزبائن تحت مظلة (التكشيرة) التي يمكن أن تخيف البعض، وترعبهم، وتجعلهم يقاطعون الجهة التي كانوا يريدون الدخول في أي تعامل معها..!
نقول ذلك لأن بعض المؤسسات والشركات والبنوك ورغم صيتها الكبير وسمعتها الطيبة، لكن من يوضعون في واجهات استقبالها ليسوا جميعهم ناجحين في اختبار فن الابتسامة، بل هم (عابسون) و (متجهمون) ويتعاملون مع الزبون وكأنه مفروض عليهم!!
لقد جلست إلى أحد هؤلاء (المتجهمين) ذات مرة فشعرت وكأنني أجلس على كرسي تحقيق.. وليت الأمر كان مجرد (تكشيرة) على وجه، بل تعدى أبعد من ذلك حين لاحظت أنه يتكلم بطريقة (متعالية) و(حادة) رغم أن مهمة هذا (المتجهم) هي العمل وبشتى الطرق لكسب ثقتي، لأنني كنت (المشتري)، وتلك الجهة هي (البائع)..!
تلك لم تكن المرة الوحيدة التي أقابل فيها (مكشراً)، فقد لاحظت نماذج عديدة للمتجهمين، وقد تم وضعهم في استقبالات وواجهات أماكن تفتح أبوابها للجمهور وتتعامل بشكل لصيق معه.. وكنت أتساءل دائماً عن نظرية (المبتسم المناسب في المكان المناسب) فأجدها تطبق في حدود ضيقة وكأنما القاعدة هي: (كن متجهماً تكن مناسباً)!
حاولت أن أجد مبرراً لكل هذا العبوس، فقلت لنفسي أليسوا هؤلاء بشر مثلنا؟ أليس من حقهم كآدميين أن يكونوا عفويين وتلقائيين ويتأثرون مثلنا بضغوطات الحياة التي لا تدعو بأية حال للابتسام بقدر ما تدعو للتجهم..؟! لكن أليس هؤلاء تقتضي طبيعة عملهم، بل تقوم في أساسها على ضرورة الالتزام بوضع هذه الابتسامة؟ لماذا لا يبرئون ذمتهم إذاً من الشرط الأول الذي بموجبه يتم توظيفهم وإعطاؤهم مرتباتهم؟!
التعليق الأخير في إجابته يحمل تبسيطاً وتقليلاً من عملية وضع الابتسامة.. وربما يجعلها مسألة سهلة جداً ومصطنعة ومفتعلة.. وفي هذا بعض الأغاليط، حيث إن وضع الابتسامة- وهذا أمر جربناه كلنا- ليس باليسير خاصة حينما تكون مصطنعة ومفتعلة.. ومن لا يصدقني فليبتسم الآن حالاً ويظل هكذا لفترة طويلة.. إنها مسألة مرهقة كما روى لي كثيرون يعملون بالعلاقات العامة، بل ذهب بعضهم للقول إن ذلك يصيبه بألم في عضلات الوجه ويجعله يشعر بالصداع..!
كيف إذن نجعلهم يبتسمون من أعماقهم ودواخلهم بدلاً عن اصطناع هذه الابتسامة.. هل بالتعود مثلاً أم أن الأفضل اختيار موظفين وجوههم أصلاً بشوشة ومبتسمة؟!
فهؤلاء لن تكلفهم الابتسامة أي مجهود عضلي أو نفسي..هم مبتسمون بطبيعتهم.. وهؤلاء على قلتهم هم موجودون حيث أعرف شخصياً أصدقاء مبتسمين على طول الخط.. حتى وهم يؤدون واجب العزاء في السرادق تجدهم مبتسمين.. وتلاحظ أن وجوههم صافية وبريئة وطفولية (بيبي فيس)!
وبعيداً عن موظفي العلاقات العامة الذين نحاول دعوتهم إلى أن يكونوا أكثر ابتساماً أمام عملائهم وزبائنهم، فإن الطريف أيضاً هو ما قرأته مؤخراً عن أن معظم البرتغاليين لا يثقون في الساسة الذين يبتسمون دائماً، ويعدّونهم (منافقين) كأنما يؤيدون في ذلك قول الشاعر: إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. لا تحسبن بأن الليث يبتسم.. والصينيون لهم مثل شهير يربط الابتسامة بالنفعية يقول: (من لا يحسن الابتسام لا يجوز له أن يفتح متجراً).
وليس الصينيون وحدهم الذين يتحدثون عن الوجه الآخر للابتسامة، فهناك الابتسامة الصفراء التي يكثر الحديث عنها والتي تخفي وراءها وجهاً آخر سيئاً ومليئاً بالشرور، وهؤلاء أفضل منهم (المكشرون) و(المتجهمون) و(العابسون).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية