المحليات وإشاعة الكراهية
تنهض غالب المحليات هذه الأيام بولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى بأعمال ضبط وتنظيم للأسواق ويشمل ذلك المدن وغيرها والملاحظ في ذلك الحراك أنه يأتي مصحوباً عادة بجملة تدابير وقرارات توقع احتكاكات بين السلطات والمواطنين مثل ما يحدث الآن في ولاية الخرطوم وأصحاب (الأكشاك) وهو نزاع سينتهي في الغالب بانتصار الحكومة واحتفاظ المواطنين المتضررين بحقهم في الاستياء.
ما آخذه على تلك الإجراءات أنها تأتي دوماً في ظروف سياسية واقتصادية ملتهبة مما يعني أن السلطة في مستواها الأدنى (الحكم المحلي) لا تتميز بقدرة على فرز اللون السياسي للقرار الذي تصدره، اتخاذ القرارات عملية تتم وفق مراجعات تشتمل على البيئة المصاحبة لها لحظة إصدارها ولهذا فإني أتعجب وحال البلد واقف والجميع يعاني أن تهتم محلية ما بشن حملات على الباعة الجائلين بحجية حفظ النظام بالأسواق وتنظيف وجه المدينة من بثور أولئك الشباب وهذا ظلم وإجحاف لأنه لا يمكن لحكومة عاقلة أن تحارب شباباً رغم كل سلبيات نشاطه اتخذ طريقاً للكسب الحلال وتحت أعين السلطات والشمس الحارة.
هؤلاء الباعة بينهم طلاب نابهون وخريجون لم يجدوا وظائف في القطاع العام أو الخاص وبينهم شباب يتولون إعالة أسر بكامل مطلوباتها من الرعاية الصحية والأكاديمية وقطعاً فإن هذه ميزات إيجابية تغفر ما دونها من مخالفات وكما أن السلطة وهي تتحدث عن التغيير وأن المرحلة الجديدة جديدة و(شديدة) لكنها لا توجه هذا التغيير إلى مظانه الصحيحة فالأمر يجب ألا يكون فقط عملا سياسيا يتعلق بلقاء “الترابي” و”البشير” أو انضمام حركات دارفور الى السلام، تمام العملية السياسية والتغيير أن يشعر المواطن أن الحكومة تأبه لأمره وتهتم به وتحرص عليه لا أن تعاديه !
قناعتي التي تترسخ كل يوم أن أكبر محفز للغضب على الحكومة وحشد الأعداء عليها اضطراب المحليات وقيامها فقط بواجبات دعم وتحفيز الكراهية ضد السلطات فهي ومع حرصها على ما تفعل تتناسى تماماً واجبات أخرى لا يأبه لها أو يهتم بها أحد فالنظافة غائبة وتطوير الخدمات معدوم وحتى الإشراقات القليلة التي تتم إنما تحدث في الطرق وغيرها لأن الحكومة المركزية تتدخل وتدعم وتتابع ولأن رئيس الجمهورية أو أحد نائبيه سيأتي بأحد الطرق فتضطر المحلية للعمل وتجميل الطريق ووضع صورة كبيرة للمعتمد يحيى فيها الضيف الكبير وجمهور الشعب السوداني البطل.
في هذه الظروف نحتاج للرأفة بالناس، دعوا المساكين يقتاتون من خشاش الأرض وامنحوهم فرص العيش بكدهم وعرقهم فالمدينة لن تموت أو تنهار لأن امرأة مسنة باعت الطواقي في قلب الخرطوم بالقرب من مولها الكبير ووجه العاصمة لن يفسد لأن الشباب تحولوا إلى باعة جائلين فهذه كلها وظائف اضطر إليها أصحابها وأعمال احتاجوا إليها من أجل كرامة العيش الشريف فلا تضطروهم إلى المطاردات والحبوس وقد منحوكم الصبر والتفويض فلا تخذلوهم وما خذلوكم يوماً في منشط أو مكره.