الجنوب يغرق!!
} غرق جنوب السودان مرة أخرى في الصراع الدامي بين الحكومة والمتمردين والجنوبيين، وامتدت العمليات الآن إلى المناطق الحدودية مع السودان، وهي المناطق الأكثر كثافة سكانية في كل من “أعالي النيل” و”الوحدة”، إضافة إلى “شمال بحر الغزال”، والأخيرة ما تزال بمنأى عن الصراع لأن أغلبية سكانها من (الدينكا) الموالين للرئيس “سلفاكير ميارديت”.. بينما الأوضاع في “ملكال” و”بانتيو” تتخذ منحى خطيراً كصراع إثني بين (النوير) من جهة و(الدينكا) و(الشلك) من طرف آخر.. وبلغت المفاوضات على الأرض الجدار المسدود تماماً واستعصى على المفاوضين الوصول لنقاط اتفاق.. الشيء الذي يهدد تنامي الصراع العنيف في الجنوب الذي يتأثر به السودان اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.. والغافلون هنا من يقرأون الأحداث بعين السخط والشماتة على إخوة لنا اختاروا بطوعهم الذهاب لحال سبيلهم كدولة مستقلة، ولكن (فيروس) الخلافات والنزاعات ضرب صفهم وهدد بذهاب وحدتهم وتهديد استقلالهم.
} الأوضاع المأسوية الآن في “ملكال” ستقود للجوء آلاف الجنوبيين لوطنهم الأم السودان عبر طرق برية سالكة هروباً من جحيم الحرب هناك.. وفتح السودان أذرعه لاستقبال اللاجئين الجنوبيين كأشقاء وحالة إنسانية، وفي أخبار الأمس أن تدنياً مريعاً في إنتاج البترول الجنوبي قد شهدته الأيام الأخيرة ولم يزد الإنتاج عن (170) ألف برميل في اليوم وربما تلاشى الإنتاج إلى الصفر وتوقف تماماً تبعاً لمسار العمليات الجارية الآن في “أعالي النيل”، ليفقد الاقتصاد السوداني الكثير من العملات الصعبة وتزداد معاناة الشعب السوداني في الحصول على الدواء ورغيف الخبز والوقود. وقد شهدت أسواقنا في الأيام الماضية حالة ركود اقتصادي خطير وتنامٍ مضطرد في الأسعار.. والآثار الاقتصادية لحرب الجنوب أكثر وقعاً على السودان من دولة الجنوب التي لا تنقصها المعاناة منذ سنوات طويلة. أما أمنياً وعسكرياً فإن الحركات المسلحة الشمالية المتمردة من (قطاع الشمال) وحركة (العدل والمساواة)، هي المستفيدة من حالة السيولة التي يعيشها الجنوب.. تنهب المال وتحصل على السلاح بدعوى مناصرة طرف على الآخر وهي تعمل لخدمة أغراضها الذاتية..
} والفوضى الأمنية تنجم عن تسرب السلاح لأن دولة الجنوب حينما تفقد السيطرة على بعض أطرافها وخاصة الأجزاء الشمالية المتاخمة للسودان، فإنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً لكبح جماح الحركات المتمردة السودانية وهي تستغل الفوضى الحدودية لخدمة أهدافها السياسية والعسكرية، وحتى المفاوضات المعلن عنها الأسبوع الجاري في “أديس أبابا” لن تحقق أي تقدم إذا كانت الأوضاع في الجنوب غير مستقرة والحرب تشتعل بضراوة وقادة (قطاع الشمال) مشغولون بحرب في الجنوب أكثر من انشغالهم بمفاوضات “أديس أبابا”.. ووجود السيد “مالك عقار” في “أثيوبيا” حالياً متابعاً لمفاوضات الجنوبيين ومتوسطاً بينهم وجود طبيعي جداً في ظل حالة الأبوة والأمومة بين المتمردين الشماليين ودولة الجنوب.
} إن انحدار الجنوب إلى أسفل وولوغه في عنف دامٍ أكبر مهدد لاستقرار السودان، ولكن القراءة غير المحيطة بدقائق الأوضاع تجعل البعض شامتاً على فشل الجنوب، ولكن الأكثرية من الشعب السوداني حزين وعيونه دامعة لما يحدث في جزء عزيز من الوطن الذي كان!!