أخبار

استجواب أم استماع؟!

اعتقد أننا معشر الصحافيين بحاجة عاجلة وملحة للنهوض بتطوير وتفعيل منهج ضبط استخدام بعض الكلمات والمفردات في أدبيات المكتوب والمنثور بفنون العمل الصحفي خاصة الأخبار، فقد لحظت مؤخراً كثرة في التصحيحات الواردة من هنا وهناك للتدقيق في معنى أو توجيه التصويب بسبب خطأ في النقل أو التعبير.. وصحيح أن بعضاً من هذا حرفة سياسية يجيدها البعض من خلال إطلاق القول أو إنكاره، بالتنصل جملة عنه أو رمي وزره على عاتق محرر أو مانشيت، ولكن بالمقابل ثمة استخدامات خاطئة لبعض الكلمات ذات الدلالات خاصة في المسائل المرتبطة والمتبوعة بخبر أو تعليق يرتبط بوزارة العدل أو النيابات.
أزعجني بالأمس إجماع الصحف على أن وزارة العدل (تستجوب) المهندس “الحاج عطا المنان” (معروف بالطبع) في ثنايا خبر عن تحقيقات في نزاع (الرزيقات) و(المعاليا) المندلع بدارفور، الذي كان جرحاً لا يزال غائراً في الإقليم يتجدد، وفي ظني أن (استجواب) تعبير فظ وغير مناسب إن لم يكن غير لائق، وكان يمكن الاستعاضة عنه بتعبير (تستفسر) أو (تستمع) فـ”عطا المنان” لم يكن طرفاً في المعركة ولم يحمل فيها سيفاً أو بندقية، وإنما سعى في الصلح وتطييب الخواطر والتهدئة بحكم علاقاته القديمة بالمنطقة والاحترام المبذول له بقدر يجعله مقبولاً عند كل الأطراف، وقد قاد الرجل بالفعل وساطته وساهم في إحداث انفراج.. فكيف يسمى حضوره أمام أية لجنة استجواباً؟!
الخلط والخطل في مثل هذه التعابير يلحق أذى معنوياً بالناس، ويرفع من وتيرة حرارة المشهد العام، ويعقد من حيث تفترض التهدئة، وكثيراً ما يقع هذا الالتباس كما أبنت في المتواتر والمنقول عن أخبار اللجان ذات الصبغة القانونية، وكم من بريء اتهم في شرفه لأننا في الصحف افترضنا أن استدعاء أحدهم أمام النيابة يعني أنه متهم، وربما لص، رغم أن الحضور ربما بغرض الاستئناس بمعلومة أو التوصل إلى فك عقدة في ثنايا ملف يتطلب الاستماع إلى شخص في مراحل استجلاء البينات أو تقصي الوقائع، فيحضر بأمره أو بأمر السلطة الواقفة على القضية المعينة بريئاً حراً ويخرج منها مشتبهاً فيه وربما مدان.
اللغة السائدة في الإعلام تؤثر سلباً وإيجاباً على جمهور المتلقين، ولهذا من المهم حد الأهمية الانتباه إلى مثل هذه التفاصيل والملاحظات التي قد تأتي عفوية أو وفق استخدام من باب الشيوع لكنها بالتكرار تترك آثاراً ضارة، بل وتساهم في تغبيش الصورة، وربما يتطور الأمر إلى إحداث حالة من التهييج، وهذا ما هو كائن، إذ كثرت استخدامات وإشارات استدعت، وقبضت، ولوحت بالقبض واستجوبت، ومثل (فلان) أمام النيابة، واستدعي (علان) لها، وكلها أعمال إجرائية قد تكون عادية وليست مشينة، ولكنها تخرج فجأة عن سياقاها وتضع في سياق آخر يخرجها خلقاً آخر في المعنى والاستدلال والبيان. ولهذا من الأفضل قبل الصحافة أن تنتقي تلك المؤسسات والناطقون باسمها والمصادر الناشطة داخلها كلماتها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية