حوارات

وزير الزراعة والري "إبراهيم محمود حامد" في أول حوار مع (المجهر):

بعد سنوات من الصمت والانصراف المتعمد من الدولة عن القطاع الزراعي والاستعاضة عنه بالبترول.. جاء الانفصال ليعري سياسات الاعتماد على مورد واحد.. لتعود الحكومة وتراهن مجدداً على الزراعة كمخرج من الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ولكن الدولة التي استفاقت مؤخراً وجدت أن هذا القطاع مليء بالإشكالات المعقدة، لتحاول أن تنفض عنه الغبار مجدداً وتدفع به كـ (تميمة حظ) لتحقيق الأمن الغذائي، ولتكون الزراعة مورداً بديلاً للبترول.
وزير الزراعة “إبراهيم محمود حامد” – الذي ترك خلفه ملفات وزارة الداخلية – بدا مهموماً بقضايا الأمن الغذائي، فهو من أهل اختصاصها لـ (14) عاماً قضاها سابقاً بين مشاكلها وتعقيداتها.. (المجهر) جلست إليه للحديث عن خططه وما يحمله في حقيبته من حلول لقطاع تعول عليه الدولة كثيراً.. فكان هذا الحوار:

} التغييرات الوزارية الأخيرة جاء بعضها مفاجئاً لقطاع واسع.. كيف تلقيت أمر تعيينكم.. وهل تمت مشاورتكم مسبقاً من قبل الحزب؟!
– (ضاحكاً): نحن شغالين بالتعليمات.. وأنا كعضو بالمكتب القيادي عرفت داخل المكتب بأمر تعييني، ولكن لم تتم مشاورتي.. والخطوة لم تكن مفاجئة لي، بل على العكس، أنا أصلاً زراعي، وعملت (14) عاماً في مجال الزراعة قبل أن أجيء كوزير.
} الزراعة من القطاعات التي تعول عليها الدولة لإنقاذ اقتصادها.. ماذا تحمل في حقيبتك من خطط للنهوض بهذا القطاع؟!
– أنا لا أضع خططاً.. فالخطة تضعها المؤسسة، وهي ضمن خطة الدولة ككل.. وكل الذي عملناه إلى الآن هو مراجعة الخطط الموجودة أصلاً بالوزارة.. منها الخطة الخمسية والبرنامج الإسعافي الثلاثي، بالإضافة إلى خطة موضوعة لتطوير الزراعة لثلاث سنوات قادمة ولزيادة الإنتاجية الزراعية.. ناقشنا هذه الخطط وخرجنا ببرنامج عمل متسارع، ليس لوزارة الزراعة فقط ولكن لكل الوزارات الإنتاجية.. وضمن هذا البرنامج أعدنا الترتيب لخطة سنوية تتم بشراكة مع الجهاز التنفيذي والمزارعين، وداخل هذه الخطة السنوية وضعنا تصوراً لزراعة مساحة (40) مليون فدان بالولايات كافة (مروي ومطري)، ثم جلسنا مع وزارة المالية لتوفير الاحتياجات والمطلوبات للخطة وناقشناها مع بنك السودان والبنك الزراعي، وبعدها طلبنا من الولايات حصر احتياجاتها ومتطلباتها للموسم القادم.
} ماذا بشأن خطة الوزارة للعام 2014؟
– اتفقنا مع وزارة المالية لاستخدام حزمة من التقانات المتكاملة يتم فيها استخدام السماد والبذور المحسنة بالإضافة للمبيدات، وهذه الخطة ستطبق في مساحات معينة تستقطع من الـ (40) مليون فدان. واقترحنا زراعة (500) ألف فدان بالقطن و(850) ألف فدان بالقمح، و(3) ملايين فدان بالذرة من جملة (17) إلى (20) مليون فدان تزرع خلال السنة، بالإضافة إلى (5 – 6) ملايين فدان بالسمسم.. ثم دعونا كل الشركات العاملة في مجال الإنتاج والأسمدة والمبيدات والبذور المحسنة، ووجدنا تفهماً من جانب المزارعين، خاصة في ظل الظروف الحالية من شح العمالة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
} بعض الخبراء أشاروا إلى أن ميزانية الزراعة التي وضعتها الدولة للعام 2014م لا تتعدى (1%)؟
– الزراعة لا تمولها الدولة، بل هي بمجهود المزارعين، وأعطيك مثالاً، ففي كل السنوات الفائتة الدولة كانت تقوم بتمويل القطن، لكن المزارع لوحده يقوم بزراعة المحاصيل الأخرى مثل الفول السوداني، الذرة، السمسم، وهي مساحات مضاعفة لمساحة القطن الممول.
والدولة تقوم بوضع السياسات لتوفير المدخلات الزراعية وتوجيه التمويل، بالإضافة للسياسات الضريبية التي تقوم بموجبها بإعفاء كل المدخلات والآليات والمعدات الزراعية من الضرائب. وأيضاً تقوم الدولة بوضع البنيات التحتية. لكن الزراعة يباشرها المواطن وليس الدولة.. والعالم كله لا يتحدث عن ميزانية للزراعة من الدولة، بل يتحدث عن نصيب التمويل الزراعي من الدخل القومي.. وهذا ما أظنه يحتاج منا إلى (شغل) كثير ونحتاج إلى بذل مزيد من الجهود لتوجيه ناتج أكثر من الدخل القومي للزراعة.
والميزانية في اعتقادي يمكن تسميتها بالشيء التشجيعي أو الرمزي، وهي توجه لتأهيل البنيات التحتية، ولكن (ما في ميزانية بيدوها لي زول ويقولوا ليهو هاك دي شيلة أزرع بيها).
} الحكومة كانت قد صرحت بأن نسبة كبيرة من ميزانية هذا العام ستوجه لقطاع الزراعة؟
– اعتقد أن أغلبية ميزانية الدولة تذهب لمنصرفات بند الفصل الأول.. (يعني تحن ما دايرين من المالية تعطينا من باقي صرفها على الفصل الأول وحاجاتها الأساسية). نحن نريد من المالية القروض والمنح، وأن توجه المؤسسات التمويلية لتمويل الزراعة، وهو الأهم من أن تعطينا (قروش قليلة) من ميزانيتها.
} البنك الزراعي الإسلامي بجدة موّل كثيراً من المشروعات بالسودان.. هل تتوقعون استمرار دعمه؟
– البنك الإسلامي بجدة سيقوم بتمويل مشاريع زراعية بشرق السودان بحوالي (250) مليون، وصندوق الإيقاد (شغال معانا)، وهناك صناديق تمويل كثيرة. ولكن نحن محتاجون أن نوجه موارد أكبر للزراعة، في حال اعتبرتها الدولة المخرج الوحيد للضائقة الاقتصادية.. لأننا ما زلنا نعاني من ضعف التمويل. فالتمويل الزراعي إلى الآن ما زال ضعيف جداً، وهنالك دول كثيرة أقل منا اقتصادياً ولكن توجه نصيباً أكبر من دخلها القومي للزراعة.
} هنالك اتهام بأن الحكومة تجاهلت الزراعة لسنوات طويلة حتى أنها فشلت في شعارها الذي رفعته في بداية عهدها (نأكل مما نزرع)؟
– أنا لا أقول إنه تجاهل أو تدهور، إنما أقول إننا نملك إمكانيات كثيرة المستغل منها الآن ا أقل من المفترض. وكان لدينا بترول، ولو كنا ضخخنا مالاً أكثر تجاه الزراعة لكانت الآن بوضع أفضل.. والحكومة لم تتجاهل الزراعة في الوقت الذي أقامت فيه البنيات التحتية السدود والطرق.
} في اعتقادك هل تستطيع الدولة أن تحول الزراعة إلى مورد بديل للبترول؟
– طبعاً، وهذا هو المخرج الوحيد للاقتصاد، لأن الزراعة مورد متجدد، لكن لابد من ربط الزراعة بالتصنيع والثروة الحيوانية (غير كده ما بتمشي لي قدام).
} مشروع الجزيرة عصب الزراعة في السودان ولا بد أن الوزارة وضعته في أولويات خططها للنهوض به؟
-النهوض به واضح، ويتلخص في (3) نقاط: أن تهتم الدولة بالبنيات التحتية، وتأهيل المزارع ليدفع تكلفة الري، بالإضافة لإيجاد إدارة فاعلة للمشروع. وهذه النقاط إذا تكاملت بالتأكيد سيعود لسابق عهده.
} هل تقصد أن هنالك مشكلة في إدارة المشروع؟
– نعم هناك مشكلة في الإدارات المتعاقبة على إدارات الزراعة نفسها، وهذا مشروع ضخم لا يمكن أن يسير بإدارة ضعيفة، والزراعة الآن مربحة، لذلك إذا هناك مشكلة فهي بالتأكيد في الإدارة.
} هناك اتهام بأن السبب الأساسي لتدهور المشروع يعود لتجاهل الحكومة له لأسباب سياسية؟
-كيف ذلك؟ هذا الكلام (لا يدخل الرأس).. هل هناك دولة عاقلة تتجاهل أكبر مشروع عندها لأسباب سياسية؟ ما في أي منطق للكلام ده. والسنة الفائتة الحكومة خصصت لمشروع الجزيرة (158) مليار.. وبالعكس نحن عندنا مشكلة مع المشاريع الأخرى.. يقولون إن الحكومة توليها اهتماماً أقل من الجزيرة.
} مقاطعة: ولكن ألا تعتقد أن هنالك صراعاً سياسياً خفياً بالمشروع؟!
– ومشروع الجزيرة مشكلته أن الحديث السياسي فيه أكثر من الحديث حول العمل والإنتاج، وأعتقد أن المشروع يفترض يكون (شغل اتحادات) والجهاز التنفيذي، وأي شخص يتحدث عن السياسة (يمشي يتبع لي حزب يشتغل زي ما داير).
} باعترافك بوجود ضعف في إدارة المشروع.. هل هذا يعني أن تتجه لتكوين إدارة جديدة؟
-لا .. الإدارة الحالية تكونت قريباً و(لازم نعطيها فرصة).
} في قضية ضعف إنبات القمح بمشروع الجزيرة.. ماذا بشأن تعويض المزارعين؟
– صحيح حدثت مشكلة والناس معترفون بها، وهي تمثلت في (400 – 300) ألف فدان. لكن هل أصبحت قضية إعلامنا كله (في المشكلة دي) وفي كيفية تعويض المزارعين؟ القضية كانت في عدم إنبات (50%) من المساحة المزروعة، و(دبّلو) التيراب في المرة الثانية والبنك (جاب) التقاوي.. فما تبقى المشكلة الوحيدة هي تكلفة الزراعة الثانية، والتأخير الذي حدث.. وأنا شخصياً ما متابع تفاصيل (القضية دي)، وأعتقد أنها ممكن تتحل على مستوى مشروع الجزيرة.
} فشل مشروع توطين زراعة القمح في السودان رغم الصرف الضخم على المشروع.. ما تعليقك؟
– الدولة تسعى للاكتفاء ذاتياً من القمح، لذلك أعدت برنامجا متكاملا بداية بتطوير أصناف تتميز بتحملها للحرارة وملاءمتها للبيئة، بلغت حوالي (12) صنفاً، كما استنبطت التقانات الحديثة. ولا أعتقد أن البرنامج فشل، ولكن فقط يحتاج إلى وقت لتطبيق خطة التوسع في الإنتاج.
} وما هي أبرز ملامح هذه الخطة؟
– نسعى لتطوير إنتاج القمح في المشاريع المروية الكبرى مثل الجزيرة، حلفا الجديدة، الرهد، المشاريع النيلية، وإدخال التقانات الحديثة، بالإضافة إلى استغلال المياه الجوفية خاصة في أراضي التروس العليا بولايات نهر النيل والشمالية.
} وما هي أبرز المشروعات المقترحة لزيادة إنتاجية القمح وكم تبلغ المساحات المستهدفة في الخطة التوسيعية؟
– مشروع الجزيرة بمساحة (500) ألف فدان، الرهد (35) ألف فدان، حلفا الجديدة (120) ألف فدان، عطبرة بمساحة مقترحة (130) ألف فدان، بالإضافة إلى المشروعات التي تروى بالمياه الجوفية واقترحت لها مساحة بحوالي (2.500) ألف فدان.
} قصب السكر من المشروعات المهمة.. ما مدى اتجاهكم للتمدد في زراعته؟
– وضعت الدولة خطة كبرى للتوسع في إنتاجية قصب السكر بالقدر الذي يحقق الاكتفاء الذاتي للسكر وتصديره للخارج. ومن أبرز ملامح خطط الوزارة للتوسع في زراعته زيادة مساحات الزراعة في المشروعات المروية مثل الروصيرص والدندر أعالي عطبرة، بالإضافة إلى زيادة مساحات المشروعات القائمة مثل: الجنيد زيادة مساحة لتصبح (38) ألف فدان.. سنار (21) ألف فدان، حلفا الجديدة (30) ألف فدان.. وعسلاية وغيرها من المشاريع.
} ذكرت سابقاً أن هنالك ضعفاً في الاستثمار بمجال الزراعة.. في رأيك ما هي الأسباب؟
– نعم هنالك ضعف في مجال الاستثمار الزراعي، وذلك لأنه خلال السنوات الفائتة كان كل الاستثمار يتركز في مجال الخدمات أولاً ثم البترول، والزراعة تحصل على النصيب الأضعف، ولكن حالياً بدأت بيئة الاستثمار في تحسن خاصة بعد التقييم الذي حدث بالعام السابق.
} في تقديركم كيف يكون هنالك جذب للاستثمار ومعالجة القصور الذي أدى إلى الضعف؟
– أعتقد أن الاستقرار الاقتصادي مهم ويتمثل في استقرار سعر الصرف وخفض معدلات التضخم وتسهيل التحويلات الخارجية للمستثمرين. أيضاً أعتقد أنه من المهم التأكد من خلو الأراضي المستهدفة للاستثمار في النزاعات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية