«مصطفى سيد أحمد» و«ود سلفاب» .. تمازج الموهبة والأرض الطيبة!!
و(د سلفاب).. تلك القرية الوادعة الآمنة التي تنام على حضن السنابل في وسط البيادر، حباها الله بعشق خاص وإلفة نادرة، تتغشاها أنسام فجرية تدغدغ وجنتيها وتلامسها الأقمار بسحر خاص، وتحفها الخضرة والرحابة والشهامة والكرم والكرامة من كل حدب وصوب.. قرية فريدة في ملامحها وتسامحها وروعة إنسانها.. ومشاعرها ووجدانها مرسومة على جدرانها.. هذه البلدة الرحيبة الخصيبة لا تملك إلا أن تقبل يديها وتحنو على أديمها وأنت تمشي على رمل المسافات.. فكانت هي مقياس الرسم.. والبدايات والذكريات ومسقط رأس العباقرة والمبدعين..
} صرخة المبدع الأولى
وفي هذه القرية كنت صرخة ميلاد المبدع “مصطفى سيد أحمد” الذي ولد في العام 1953م ونشأ وترعرع في أزقتها وشوارعها، وشب فيها ونبت كسنبلة أصيلة في حواشات القمح وبين سنابل الذرة.. كانت القيطان والترع والكنار والقرى والأرياف والتفاتيش جزءاً من تكوينه الإنساني، إذ طالما ذهب مع رفاق درب الصبا لصيد العصافير والسباحة في الترع.. ولعب (البلي) وكرة القدم و(شليل) و(حرينا) و(سكج) في الليالي القمرية.
} إلفة وحنين
لقد تميزت هذه القرية بالصفاء ونقاء روح أهلها الذين تجمعهم صلة الدم والقرابة والحنية والمودة والتآلف.. فكانت “ود سلفاب” كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. لذلك رسخت هذه المعاني والقيم في وجدان الراحل “مصطفى سيد أحمد” الذي تشبع منها وتمازجت مع روحه ووجدانه.. وتميزت بيئته بالنبوغ والفن والأدب.. فكان شقيقه “المقبول سيد أحمد” هو فنان القرية وشاعرها.. بالإضافة إلى عدد مميز من أبناء القرية.. وكذلك الروابط الفنية في القرى المجاورة.. ففي (طابت) كان المبدع الراحل “أحمد الطيب” والد الفنان “عماد أحمد الطيب”.. وأولاد طابت وفرقة أولاد طيب القرشي – بقيادة الفنان الراحل “هاشم الطيب” – التي كانت تحيي الحفلات في مدينة الحصاحيصا والقرى المجاورة.
} وانطلقت (بلابل الدوح)
وسطع نجم “مصطفى” وسط قريته فكون أول فرقة غنائية له بها مجموعة متميزة من أبناء و(د سلفاب) هم: “محمد زين”، “السر وداعة الله”، “محمود الفكي”، “الأمين فضل المولى”، “جعفر مصطفى” وآخرون.. وأبرز أغنياته التي كان يؤديها في تلك الحقبة (غدار دموعك) و(السمحة قالوا مرحلة) و(يا صديقي الأول) و(بلابل الدوح).
وصار نجم “مصطفى” يسطع حتى أصبح فنان المدينة الأول، وأصبح يحيي الحفلات في (المسلمية) و(طابت) و(الكاشمو) وكل ريف الحصاحيصا حتى ود مدني والكاملين ورفاعة.. واستطاع “مصطفى” أن يطور فرقته باستصحاب الآلات الموسيقية وذلك بعد انضمام بعض العازفين المهرة من أبناء مدينة الحصاحيصا، مثل عازف الكمان الأستاذ “الشيخ صالح” و”بشرى كنب” و”سعد الدين الطيب” و”الشيخ الطيب” وغيرهم. وفي مدينة الحصاحيصا توثقت علاقة الراحل “مصطفى سيد أحمد” بالشاعر “أزهري محمد علي”، ومنها انطلقا ليؤسسا قيمة إبداعية متكاملة بالشعر واللحن والنغم. وامتدت العلاقة الأزلية حتى معهد الموسيقى والمسرح ليلتقي بباقة من العمالقة من أفذاذ الشعراء منهم: “محمد طه القدال” والراحل “حميد” و”التجاني حاج موسى” و”صلاح حاج سعيد” و”يحيى فضل الله” و”مدني النخلي” و”عاطف خيري”.. لتمتد المسيرة.
} سحر الامتزاج
وهكذا انطلقت رحلة المبدع والمغرد المتفرد “مصطفى سيد أحمد” تاركاً إرثاً عظيماً وأعمالاً نادرة أخذت مكانتها في الوجود.. مجسداً حكاية قرية امتزجت بالرحيق والعطر والنغم.. وأكسبها الإخضرار بعداً آخر.. فكان تميز هذا الفنان العملاق من تميز هذه القرية الرحيبة. وقد تميزت “ود سلفاب” دون سواها بموقع جغرافي جعلها وسطية ترقد وسط البيادر والأرياف.. مما جعلها القاسم المشترك لكل القرى التي تمر بجوارها: (نايد، المسلمية، طيبة، طابت، الكشامر أم عضام)، وكانت تضم في أحشائها أكبر مدرسة زراعية في الجزيرة وعلى مستوى السودان..