إلى "أم مغد"
} توجهت يوم (الثلاثاء) الماضي والأخ الصديق “طلال إسماعيل”، الصحافي الموهوب جداً من الجيل الصاعد، لولاية الجزيرة محلية الكاملين التي تعد أكبر محليات الولاية، ويبلغ تعداد سكانها نحو(80) ألف نسمة. ولولا خوفي الشديد من نيابة الوالي المجاهد “الزبير بشير طه” وعسسه، لقلت شيئاً عن ولاية الجزيرة، ولكن الجزيرة أصبحت بأمر المقتدي بالله “الزبير بشير” منطقة ممنوع الاقتراب منها وتناول قضاياها، إلا مشروع الجزيرة وسقوط أهلي مدني من قطار الممتاز!! فالحديث عن مشروع الجزيرة حلال على الطير من كل جنس.
} كنا نقصد محلية الكاملين وقرية “أم مغد” التي نعتبرها نحن القادمين من قاع السودان وأسافله البعيدة مدينة حديثة التكوين، ولكنها في عيون أهلها قرية صغيرة تستريح على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق.
} عبرنا تفتيش «سوبا» بعد أن أبرزت إليه بطاقة صدرت حديثاً من اتحاد الصحافيين تصدق بها علي الأخ “الفاتح السيد” مجاناً لم أدفع جنيهاً واحداً ثمناً لها، لأن “الفاتح” اعتبرني مازلت عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد رغم هجوم الأخ “تيتاوي” و”أحمد الشريف” على مطالبتي بتجديد دم الاتحاد في الانتخابات القادمة. موظف شركة الهدف الذي يتحصل الأتاوات من محطة التفتيش، منحنا حق العبور مجاناً احتراماً للصحافة. فقال لي الزميل “طلال”: (بالله بطاقة اتحاد “تيتاوي” تجد تقديراً من البعض). فقلت له يا “طلال” هذا اتحاد الصحافيين وليس اتحاد “تيتاوي” فقال معتذراً: والله نسيت أنك من هؤلاء القوم!!
} عبرنا محطات النوبة الباقير حتى المسعودية التي شيدت قلاعاً وسط شارع الأسفلت (كمطبات) لتخفيف سرعة السيارات.. ولكنها قلاع تهدد السيارات الصغيرة التي لا تستطيع عبور تلك الحواجز إلا بالبحث عن مخارج جانبية.. وشرطة المرور ربما لا تملك مالاً لإقامة حواجز (علمية) بدلاً من ترك الأهالي يفعلون بالشارع العام الأفاعيل.
} وصلنا قرية أو مدينة “أم مغد” وتبدى الحزن والأسى متمدداً في الشوارع وأزقة البيوت الطينية وفي عيون الناس وأهل القرية.. حينما تسألهم عن (بيت البكاء) يقولون لك “مصطفى عمر” ربنا يرحمه كان حادث حركة مؤسف.. وأي إنسان في “أم مغد” يقص عليك مصرع “مصطفى عمر” في المملكة العربية السعودية بطريقته الخاصة.. والفجيعة بادية في النفوس. والراحل – شقيق الأخ “عز الدين عمر” والد الأستاذ “الهندي. والأخ عز الدين” من أهل “أم مغد” وكان من قادة الحزب الاتحادي الديمقراطي القدامى ورموز المنطقة، ولكنه يعتبر أيضاً من كردفان التي تجول في ربوعها وكان موظفاً في وزارة الزراعة ومسؤولاً عن وحدة الأقطان في (بابنوسة). وهو من استوعب المتمرد السابق “تلفون كوكو” في وزارة الزراعة وأشرف على تدريبه (وظيفياً) حتى لا يعتقد البعض أنه من دربه على حمل السلاح.
} احتفى بنا أهل “أم مغد” رغم أحزانهم البادية على الوجوه، وأضافوا في الكرم الأصيل وهم يقسمون بالله أن تأكل الطعام وتشرب الشاي والقهوة.. بيوت “أم مغد” تشبه دامر المجذوب.. عراقة وعبق تاريخ ومسجد (باهي) ومسيد عتيق يتوسط القرية التي تتذكر مشروع الجزيرة والأخ “عز الدين عمر” يذرف دمعتين، دمعة للراحل “مصطفى عمر” وأخرى للمشروع الذي مات في أحضان ملاكه ولم يبك عليه أحد، وفشلت كل محاولات بث الحياة في أوصاله.
} غادرنا “أم مغد” وفي الطريق للخرطوم لم نسلم من رادار الشرطة الذي نصب في مكان يصعب رؤيته، فدفعنا غرامة قدرها (50) جنيهاً وعدنا للخرطوم بعد يوم قصير في أرض المحنة!!
} رحم الله الفقيد “مصطفى” وأسكنه فسيح الجنات وألهم أهله الصبر الجميل على المكاره والفقدان.