رأي

حديث لا بد منه (2)

} قراء كثر تساءلوا: لماذا لم تواصل في حديثك الراتب بصحيفة (المجهر) كما وعدت؟ بداية لهم شكري وتقديري على هذه المتابعة اللصيقة والاهتمام الذي قوبل به هذا العمود. حقيقة أنا قلت راتب ولم أقل يومياً، لأن الراتب قد يكون في شهر أو أسبوع. عليه فإن حديثنا عن تجربتنا النقابية سيكون إن شاء الله يومي (الخميس) و(الاثنين) من كل أسبوع، وقد نزيد يوم (الثلاثاء) بمقبل الأيام إن شاء الله، لزاماً علينا أن نبين ثورة أبريل العمالية.
} ولكي لا يختلط هذا الأمر على القارئ الكريم فإن هنالك انتفاضة أبريل التي كانت تمثل الديمقراطية الثالثة، وكانت في عام 1985م، حيث كانت نهاية حكم نظام مايو، أما ثورة أبريل العمالية أو قل انتفاضة أبريل العمالية فكانت في العام 1978م، أي قبل انتفاضة أبريل بسبع سنوات، لكنها لم تجد حظها من الإبراز، وهي انتفاضة ذات أثر بالغ في تاريخ الحركة النقابية السودانية، والذي حجّم بروزها هيمنة نظام مايو على الساحة السياسية والإعلامية تماماً، ولعل الكتاب حينها تحفظوا عنها، ويجب علينا أن نبرز هذه الانتفاضة أو الثورة حتى يعلمها الناس وتكون حقبة من حقب التاريخ النضالي للحركة العمالية السودانية، خاصة إذا كان ذلك من أم النقابات بالسودان، ألا وهي النقابة العامة للسكة الحديد.
} ودوماً نجد المؤرخ السوداني يهمل مواقف العمال في الحركة النقابية السودانية، حيث كان لهم قصب السبق في مقاومة الغازي الذي جثم على ظهر السودان. حتى الساسة من مؤتمر الخريجين وغيرهم كانوا يكثرون من التواصل مع عمال السكة الحديد عبر قياداتهم المتعاقبة على النقابة، بدءاً من هيئة شؤون العمال التي دوّخت الغازي وأهملت ولم تذكر في تاريخنا المعاصر إلا بكتابات هنا وهناك، وكان المؤمل أن يفرد لها أهل الرأي من كتابنا الكرام الذين يذخر بهم السودان، ومنهم من عاصر هذه الفترة، فيكتب لنا ذلك حتى أن يكون إرثاً للشعب السوداني الأبي والحركة السودانية النقابية العريقة.
} ثم أقول إن ثورة أبريل العمالية كانت لها أسباب ومسببات دعت لقيامها واندلاعها، وذلك للفراغ النقابي الذي كان يعاني منه عمال السكة الحديد والنقل النهري والمرطبات، وقد حدثت بذلك جفوة وانعزال، وأصبحت قضايا العمال وحقوقهم بلا راع، وضاقت ظروف المعيشة وقضايا كثيرة متعلقة بالأجور والخدمات تراكمت دون حل، ومشاكل أخرى أقبلت على الأبواب، وقد كان البعض يعتزم إيقاف اشتراكه الشهري الذي يستقطع من راتبه للنقابة، زهداً فيها، وكذلك كانت هنالك موجة من الإرهاب التي كانت تمارسه قيادة النقابة، إذ كممت الأفواه لفترة طويلة، حيث كان العزل السياسي والفئوي، فلا يحق لعامل أن يرشح نفسه للنقابة ما لم يزكيه الاتحاد الاشتراكي الذي يقول رئيسه دوماً وهو على المنصة: (اتحادنا يقول الحضور قوة حرية اشتراكية)، ولم يلمس الناس حرية ولا اشتراكية غير إرهاب وبطش شديد، حيث كان التسلط الشديد والتهديد بالوعيد والنقل إلى أماكن الشدة والوصف للمخالفين في الرأي بأنهم أعداء الثورة، ثم السعي للزج بهم في غياهب السجون معتقلين.
} وفي تلك اللحظات، والعمال في أشد الحاجة إلى من ينصفهم ويحسن أجورهم، أصدرت النقابة العامة لعمال السكة لبحديد آنذاك منشوراً يفيد بأن هنالك (100) وظيفة بالدرجة (H) لعمال الورش يتنافسون عليها، وهي تمثل (صفر) لعمال الورش الذين يزيد عددهم في عطبرة فقط عن الثلاثة عشر ألفاً. ماذا تعني هذه الدرجات وكيف تقسم لعدد مهول كهذا؟ وأعطيت بعض الإدارات الأخرى نصيباً أوفر مع قلة العدد، بالذات العاملين في الإدارة أو قل الحركة والبضائع، التي كان ينتمي إليها رئيس النقابة، فشعر العمال بالظلم الذي لحق بهم أو حاق بهم وكاد يفتت وحدتهم وكيانهم، لأن هنالك فئات وجدت نصيباً أوفر، وهنالك من لم تجد شيئاً، وهذا الأمر كاد يحدث فتنة بينهم لا تبقي ولا تذر، وكثر النقاش وارتفعت الأصوات في هذا الشأن. وبعد حوار طويل استقر رأيهم أن هذه النقابة لا بد أن تزول لأنها أصبحت غير عادلة وغير صالحة، وهي لا تمثل إرادتهم لأنها لا تفي بوعدها وتهدر حقوقهم، ومن أوجب واجباتها تحسين وضع العاملين والنهوض بهم وتحسين أجورهم. ثم اقتنعوا بأن هذه النقابة غير جديرة بتمثيلهم، وفي يوم الأحد الموافق 2/ أبريل/1978م، وبعد عودتهم من الإفطار، تنادى العمال للخروج من ورش الصيانة، حيث الكثافة العمالية، وكانت الهتافات داوية تردد: (نقابة هزيلة يجب تبديلا).. (استقيلي يا نقابة.. خائنة، خائنة يا نقابة.. الوحدة، الوحدة شعار اليوم.. ليس منا من تردد… ليس منا من تخاذل.. عاش كفاح الطبقة العاملة).. حتى وصل هذا الموكب الهادر للنقابة العامة، وأراد رئيس النقابة الأخ “محمد الحسن عبد الله” طيب الله ثراه أن يخاطبهم، فأبوا، فما كان منه إلا الانصراف، وعندها قام رئيس الهيئة النقابية بالورش الأخ “عبد الله شراط” بالمخاطبة باعتباره رئيس الهيئة النقابية بالورش، وهم السواد الأعظم من العمال في النقابة، ووعد بأن تجتمع الهيئة النقابية للورش وتراجع الأمر وتحسمه من أجل صالح العمال، وأن يتم ذلك خلال (48) ساعة. ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟! هذا ما نقف عليه لاحقاً في العمود القادم إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية