أمين الشؤون السياسية السابق بالمؤتمر الوطني "حاج ماجد سوار" في إفادات جريئة:
ظلت شخصية حاج ماجد سوار محور انتباه للمراقبين والمحللين منذ مرحلته الجامعية لكونه أحد الشخصيات المهمة التي ساهمت في قيام ثورة الانقاذ وإلمامه بتفاصيل كثيرة لم تخرج للعلن ومن بعد ذلك خروجه للعلن وممارسته للعمل السياسي حتى تبوأ موقع أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني ووزير الشباب والرياضة.
(المجهر) جلست إلى حاج ماجد في مكتبه لتضع أمامه أوراق الراهن السياسي وتقلبها معه في محاولة للخروج بافادات ناصعة وكانت هذه الإجابات:
} قراءتك للساحة السياسية بعد خطاب الرئيس “عمر البشير” وأنت كنت أمين التعبئة السياسية للمؤتمر الوطني؟
– أعتقد أن خطاب الرئيس نقل الجو السياسي والساحة السياسية في السودان إلى مربع جديد، وقبل النقلة إلى هذا المربع كان هنالك إنكار.. المؤتمر الوطني كان ينكر أن هنالك أزمة سياسية في البلد، والأحزاب كانت تعتقد أن بمقدورها إقصاء المؤتمر الوطني وإزاحته للدرجة التي وضعت فيها خطة (المائة يوم)، ولكن هذا الخطاب تجاوز كل هذه الجدلية حول المشروعية وإمكانية الإقصاء وحول إنكار الأزمة السياسية، لذلك أعتقد أن هذا الخطاب وضع الكرة تماماً في ملعب القوى السياسية المختلفة بما فيها المؤتمر الوطني بأن يدور حوار جاد حول الأزمات الحقيقية التي تواجه البلد الآن، وفي مقدمتها أزمة السلام، لأن مسيرة السلام نفسها في السودان لم تحقق السلام…
} مقاطعاً.. لماذا؟
– مع الحركة الشعبية أدت إلى الانفصال ولم تحقق السلام، لأن الحرب ظلت مستمرة في الحدود، ومع الحركات في دارفور لم توقف الحرب حتى الآن، وبرتوكولات السلام في المنطقتين- جنوب كردفان والنيل الأزرق- لم تعالج قضية السلام ولم تحققه وكذلك الحوار. واعتقد أن خطاب الرئيس كان موفقاً جداً بوضع قضية السلام في الأولوية وتحقيقها في أبعادها المختلفة.
} هذا تغيير في خطابك وقد كنت من المحسوبين على صقور النظام والآن تتحول إلى مجموعة الحمائم.. هذا من أثر عملك في وزارة الخارجية؟
– لا، أبداً.. أتحدث إليك بقراءة للواقع.
} لم يكن معهوداً فيك أن تدعو للسلام؟
– بالعكس، لا يوجد شخص يرفض السلام أصلاً، ولا يوجد شخص يؤيد العنف والخرب. لذلك أعتقد أن تكون قضية السلام هي القضية الأولى في خطاب الرئيس، ثم تليها قضية الاقتصاد، وقضية الهوية السودانية والحديث عنها، لأن كثيراً من الناس يعتقدون أن واحدة من مشاكل السودان هي عدم الاتفاق على هوية السودان، لذلك تجد الشد في الأطراف، وأحياناً بروز بعض الدعوات إلى القوميات أو الأقليات أو سمها ما شئت، فلذلك أعتقد أن هذه القضايا الأربع: السلام والاقتصاد والهوية السودانية والحريات العامة قضايا أساسية للحوار، ويمكن أن تضاف إليها قضايا أخرى من قبل القوى السياسية، ولكن المهم في الأمر أنه حدثت نقلة كبيرة جداً، وعلى القوى السياسية أن تلتقط القفاز وتعيد تصوراتها ورؤاها، ثم من بعد ذلك يدور حوار.. وأنا أدعو إلى أن يكون هذا الحوار على مائدة مستديرة لا يرأسها إلا الرئيس، والأحزاب كلها تكون على قدم المساواة، والرئيس بحكم أنه صاحب المبادرة يرأس هذه المائدة ثم يوفق بين الآراء.
} ولكن البعض يتخوف من أن المؤتمر الوطني يسعى إلى أن يكسب الوقت إلى حين قيام الانتخابات وهو لا يقدم دعوة صادقة للحوار وهنالك تجارب كثيرة مع المؤتمر الوطني في عدم التزامه باتفاقيات سابقة للسلام وهذه خدعة جديدة من المؤتمر الوطني؟
– لا أعتقد ذلك، والمؤتمر الوطني جاد حسب معلوماتي، حيث إنني كنت في مرحلة من المراحل جزءاً من لجان المؤتمر الوطني، التي ناقشت مسألة الإصلاح وضرورة إحداث تغييرات حقيقية تستوعب التطورات السياسية التي حدثت في البلد والتطورات من حولنا، لذلك أعتقد أن هنالك جدية من المؤتمر الوطني. ولعل هذه الجدية ستظهر في مقبل الأيام.. عندما يدور النقاش في داخل القاعات وفي طاولات الحوار ستتضح جدية المؤتمر. وأعتقد أن إجازة مؤسسات المؤتمر الوطني لوثيقة كاملة للإصلاح تعبر عن رأيه وعن رؤية المؤتمر الوطني هي بمثابة المقدمة للمادة التي يريد المؤتمر الوطني من خلالها أن يحاور الآخرين…
} مقاطعاً.. وأين أنت من هذا؟
– أحسب نفسي أنني كنت من دعاة التغيير والإصلاح منذ وقت مبكر.. أما موقعي الآن، فأنا لا أزال موظفاً في وزارة الخارجية وإن كنت الآن في استراحة لا أدري ما هي محطتي المقبلة!! أنا في استراحة من الوظيفة العامة، ولا أدري أين ستكون محطتي القادمة.. ولكن أنا من المتابعين جداً للشأن السياسي ومن المهتمين وأساهم برأيي في كثير من القضايا.
} علمنا أنك التقيت برئيس الجمهورية “عمر البشير” لفترة طويلة من خلال اجتماع مشترك بينكما؟
– فعلاً التقيت بالأخ الرئيس وكان النقاش في قضايا عامة، وهي كانت زيارة مني أكثر من أنها لقاء رسمي، ودار بيننا نقاش حول رؤية الأخ الرئيس لمجريات الأحداث في البلد.. استمعت منه لذلك، ورؤيته تحديداً لما يجري في جنوب كردفان، والتحولات التي يمكن أن يشهدها العام الجديد، وخرجت منه بقناعة تامة بأن الأخ الرئيس هو فعلاً جاد في أن يقود الدفة في اتجاه التغيير والإصلاح، وفي اتجاه التوافق مع القوى السياسية.
} سيقودها الرئيس أم سيقودها حزب المؤتمر الوطني؟
– الرئيس هو رئيس الحزب وهو يقودها بالصفتين، بصفة أنه رئيس للجمهورية، وفي نفس الوقت بصفته رئيساً للحزب صاحب الأغلبية وهو الحزب الذي يحكم الآن…
} هناك من يرى أن الرئيس يريد فقط أن يمتص الآثار الناتجة عن مذكرات الإصلاح الداخلية والانشقاق الذي وقع داخل المؤتمر الوطني وخروج قيادات منه مثل “غازي صلاح الدين” وهي ليست رؤية جديدة للمرحلة القادمة؟
– لا.. أعتقد أن هذه الرؤية لم تكن وليدة اليوم، وإنما كانت قبل خروج مجموعة (الإصلاح الآن) بقيادة “غازي صلاح الدين”.. هذه الرؤية كانت قبل أكثر من عامين تقريباً حينما بدأ النقاش الجاد، وأذكر أن أول نقاش بدأ مع الانتخابات في عام 2010 في مرحلة الإعداد لها، وكان هنالك نقاش جاد حول أن يقدم المؤتمر الوطني نفسه برؤية جديدة وبرنامج جديد وبتصور جديد، ولكن تباطأت الخطوات، وتسارعت الآن في الفترة الأخيرة حتى نتجت عنها هذه الوثيقة المهمة، التي أعتقد أن من حق الرأي العام أن يطلع عليها في مقبل الأيام بعد أن تستكمل في مجلس شورى المؤتمر الوطني.
} لديك مبادرة شخصية بخصوص الحوار ما بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال؟
– مبادرتي ليست معنية بقطاع الشمال بقدر ما هي معنية بولاية جنوب كردفان بحكم انتمائي لها، وبحكم أنني عملت في هذه الولاية في الفترة التي كان يتم فيها البحث عن السلام من الداخل في السنوات الأولى للإنقاذ (1991 – 1992م)، وكانت لنا رؤى وتصورات وكذلك بحكم التصاقي بالملف ومتابعتي له في كثير من جوانبه. وأعتقد أنه آن الأوان لأبناء الولاية بمختلف انتماءاتهم الثقافية والسياسية أن يقدموا أطروحات ومبادرات تساهم في الوصول إلى سلام.
} ولكن مبادرتك تقدمها خارج منظومة الحزب؟
– لذلك أنا سميتها (شخصية).. وهي مبادرة شخصية تعزز من مساعي البحث عن السلام إذا كان من جانب الحكومة أو من جانب الطرف الآخر، وما يدفعني لذلك هو إدراكي لعمق المأساة التي تعيشها الولاية الآن والأزمة الكبيرة التي تعانيها بسبب استمرار الحرب.. وما دفعني إلى ذلك بعض اتصالاتي وعلاقاتي مع أبناء الولاية في الطرف الآخر.
} هل لديك علاقة بالمتمردين؟
– أتواصل مع بعضهم تلفونياً وعبر الوسائط المختلفة، وأسمع آراءهم وأبدي رأيي أيضاً في توجهاتهم وغيرها.
} منذ متى؟
– هذه صلات مستمرة لم تنقطع بعدد مقدر منهم بمختلف انتماءاتهم.
} ما هي ملامح هذه المبادرة؟
– أهم ما فيها أنها تؤكد أن ولاية جنوب كردفان جزء من السودان الواحد وتتمتع بخصوصية، وهذا لم يخرج عما جاء في ديباجات كل المبادرات السابقة. ولكن أهم ما أشرت إليه بتركيز أن برتوكول جنوب كردفان لم يطبق على الوجه الصحيح من الجانبين، من جانب الحكومة ومن جانب الحركة الشعبية، وكانت النتيجة هي الحرب، لأن البروتوكول لم يطبق بالطريقة الصحيحة، والآن عملياً هذا البرتوكول انتهى ويجب البحث عن طرق أخرى للوصول إلى السلام، وأنا بحثت في بعض الملفات الأكاديمية بخصوص التعريفات للحكم الفيدرالي وما هو الحكم الذاتي، ووصلت في بعض التعريفات إلى أن الحكم الذاتي هو نفسه الحكم الفيدرالي، وأنا فقط أدرس هذه الجوانب، لأنني أعتقد أنها من الخيارات التي كانت مطروحة، والحكم الفيدرالي نفسه هو الحكم الذاتي في إطار الدولة الواحدة، وتتمتع هذه المنطقة بخصوصية.. لذلك حتى البرتوكول أعطى جنوب كردفان وضعية مختلفة عن بقية ولايات السودان.. أعطاها سلطات إضافية، وأعطاها أموالاً إضافية، وأعطاها حق المشورة في أن يقرر أهل الولاية ماذا يريدون.
} في تقديرك.. هل هذا حكم ذاتي؟
– إن لم يكن حكماً ذاتياً، فهو أقرب إلى الحكم الذاتي في كلياته. لذلك أعتقد أنه عند البحث عن السلام يجب أن لا تعيقنا المسميات في الوصول إليه، ويجب أن لا تعيقنا الحدود طالما نبحث عن سلام ونبحث عن استقرار، ويجب أن نفكر في كل الخيارات، وهذا مجرد بحث لواحدة من القضايا ولم أصل فيها إلى رأي نهائي، وهي قضية جديرة بالبحث: ما هو الشكل المناسب لحكم هذه الولاية في خصوصياتها المختلفة؟ وأيضاً من الركائز المهمة لهذه المبادرة أن ولاية جنوب كردفان لا تخص قبيلة بعينها أو مجموعة أثنية بعينها، وإنما هي سودان مصغر.. معظم أهل السودان موجودون في هذه الولاية ولهم الحقوق وعليهم الواجبات، ومع خصوصية إخوتنا من أبناء النوبة، إلا أن الولاية ليست خاصة بهم.. وكذلك من ملامح هذه المبادرة التمييز الإيجابي، وهذه واحدة من الدعوات المهمة بأن يحدث تمييز إيجابي لصالح جنوب كردفان عموماً، ولصالح أبناء النوبة على وجه الخصوص، في الوظائف وفي فرص التعليم، وتقديم أموال إضافية لولاية جنوب كردفان لمزيد من التنمية وغيره، والمبدأ العام هو الدعوة لتمييز إيجابي لصالح جنوب كردفان حتى نحقق السلام.
} هل تشعر أنك مستهدف سياسياً؟
– أعتقد أن أي سياسي يمكن أن يكون مستهدفاً.
} المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال ستنطلق رسمياً.. هل تتوقع لها نتائج إيجابية؟
– أعتقد أن الظروف مهيأة للحوار والمفاوضات، ومهيأة أيضاً للوصول إلى بعض التفاهمات على الأقل في طريق الاتفاقيات، لأن كثيراً من المتغيرات حدثت بالنسبة للحركة الشعبية قطاع الشمال، ومنها الأوضاع المتفجرة في جنوب السودان، وفقدان قطاع الشمال لدعم لوجستي كبير جداً كان يأتيه من الجنوب وصار قادته غير مقبولين هنالك في جوبا.. وفي المقابل قويت العلاقة جداً بين حكومتي السودان وجنوب السودان، وأيضاً على مستوى الساحة الداخلية هنالك خطاب الرئيس وتفاعلاته، والدعوة للحوار الموسع، ووضع قضية السلام كبند أول في هذا الحوار الذي ستشهده البلاد في الأيام المقبلة. لذلك أعتقد أن الظروف مهيأة لحوار في جو أهدأ، وفي وضع أفضل ربما يقود إلى تفاهمات واتفاقيات أولية.. وفي النهاية تقود إلى اتفاقية نهائية مع قطاع الشمال.
} وجود الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ “حسن الترابي” في قاعة الصداقة أثناء خطاب رئيس المؤتمر الوطني “عمر البشير” رجح من فرضية أن انقسام الإسلاميين مسرحية في عروضها الختامية؟
– لا أعتقد بصحة أن هنالك مسرحية.. كانت هنالك مفاصلة حقيقية وانقسام حقيقي في صف المؤتمر الوطني، ولم يكن الانقسام الوحيد بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وإنما كانت هنالك حركة العدل والمساواة، وحزب العدالة القومي، وحزب العدالة الأصل، وهنالك النسبة الكبيرة من الجالسين على الرصيف.. كانت هذه أزمة حقيقية ضربت الوسط الإسلامي ممثلاً في حزب المؤتمر الوطني، وربما مستجدات الظروف وإدراك كل الأطراف بأنه لا غالب ولا مغلوب في هذا الاختلاف وفي هذا الانشقاق، وإنما المتضرر الأول هو البلد، والمتضرر الأول هو المشروع الإسلامي. لذلك من الطبيعي إذا وصل الناس إلى هذه القناعة أن يجلسوا إلى مائدة حوار بين الإسلاميين فيما بينهم، وبين الإسلاميين في أحزابهم المختلفة مع كل القوى السياسية.. وأنا شخصياً أدعو إلى هذه الوحدة، وأدعو إلى جلوس التيارات الإسلامية، لأن في ذلك خيراً، كلما توحد الصف كلما كان ذلك أفضل.. وفي الفرقة ضرر كبير يقع على الجميع.. والوحدة على أساس برنامج يتم الاتفاق عليه، وملامح هذا البرنامج ربما تكون واضحة في قضية الحريات العامة والديمقراطية.. وأعتقد أن كل الإسلاميين بمختلف انتماءاتهم لابد أن يعلنوا بوضوح أنهم مع الديمقراطية، ومع ما تفرزه الديمقراطية، وأن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة، وهنالك كثير من القواعد يمكن الاتفاق عليها لتصبح أساساً لوحدة الإسلاميين.. وأعتقد أن الوحدة هي خيار التيار الغالب ومن يقف ضده ربما يجرفه هذا التيار.