رأي

وعدت للتدريس في السعودية

ما كنت أتوقع أن أعود لمهنة التدريس وأنا أغادر السودان في رحلة اغتراب استمر لحوالي عشر سنوات.
فكانت عودتي في أول شركة اختارتني لكي أعمل مترجماً. وبعد مرور شهر لي في تلك الشركة فوجئت بعدة أشياء لم أضعها باعتباري أولها أنني سأعمل مترجماً فورياً. وهذا لم أعد نفسي له فقد قالوا لنا إننا سنترجم على الورق فقط، ولكني دون كل زملائي كان عليَّ أن أقوم بعمل المترجم الفوري في اجتماع بين مدير شركة سياكو والعقيد سليمان السويري. وبعدها تم اختياري لأقوم بالترجمة الفورية خلال محاضرات دورات السلامة بالقاعدة العسكرية التي كانت تعد للجنود. ونجحت في تقديم دورتين بعد ترجمة كتاب ضخم في إجراءات السلامة.
بعد عدة سنوات وكنت قد انتقلت للعمل في شركة هندسية أخرى فوجئت بمندوب الشركة يقول لي: بيدك إنقاذنا من غرامة شهرية مقدارها أربعمائة ألف ريال إذا فشلنا في تقديم معلم للغة الانجليزية حسب شروط التعاقد ولأنهم وجدوا في سيرتي الذاتية أنني عملت كمعلم للغة الانجليزية فلم يجدوا غيري أحداً لينشلهم من المأزق.
اختياري لم يكتمل إلا بعد أن أجري لي اختبار في تدريس الانجليزية يجريه مندوبون من وزارة الاتصالات الذين طلبوا حضوري في يوم محدد لإجراء الاختبار حيث حددوا مكان الاختبار. وهناك وجدت نفسي في قاعة كبيرة تشبه قاعة المحاضرات الجامعية لها سبورة. ووجدت ثلاثة أشخاص انضم إليهم مندوب شركتي. وطلب مني تقديم حصة في اللغة الانجليزية دون تحديد الدرس.
بما أن الاختبار في قدرتي على تدريس اللغة الانجليزية لذا اخترت درساً في قواعد اللغة الإنجليزية. أول خطوة قمت بها كانت تقسيم السبورة إلى جزأين وبدأت أتخيل فصلاً مليئاً بالطلاب الأبناء. وانطلقت في الشرح دون توقف وكان أحد المراقبين يسألني في معنى كل خطوة، وقمت أنا أيضاً بسؤالهم كما يفعل المعلمون عادة. واستمرت الحصة لحوالي ساعة كاملة لم أجلس خلالها ولو لدقيقة واحدة. وعندما انتهيت جاءني مندوب الشركة ليهنئني على نجاحي ويؤكد لي أنهم لم يرضوا عن اثنين من المعلمين قبلي ورفضوهما.
وأنا كنت أصلاً عملي مع تلك الشركة في وظيفة مترجم ولم يشترط علىّ العمل في التدريس، ولأني كنت أقوم بهذا العمل بطريقة مثالية دفعت مدير عام الشركة ليزورني في المكتب ويقول لي إنهم قرروا إعطائي مرتب شهر كمكافأة فقبضت مرتبين في ذلك الشهر. المهم اجتزت اختبار التدريس ووافقوا على أن أعمل معلماً للغة الانجليزية.
ولم يخف مندوب الشركة فرحته خاصة أن الموافقة كانت فورية. وقال لي لقد أنقذت الشركة من مأزق كبير.
وكان التدريس يتم بنظام الدورات. وكنا نتجه صباحاً للفصول ونعود ظهراً إلى مكان الشركة. واستمر هذا الوضع عدة أشهر.
بالطبع قلت في عمود سابق إن الشركة كانت قد جاءت بي لفترة مؤقتة تنتهي بانتهاء فترة غياب المترجم الأساسي الذي جاء بعد غياب شهرين. وبعد عودته خصصوا لي مكتباً مستقلاً وأنني مستمر مع الشركة لأني أنجز عملي بسرعة ودون أخطاء كما أن تعاملي كان طيباً مع الجميع. الغريب في الأمر أنني تركت هذه الشركة بالاستقالة لأن أسرتي كانت بحاجة لي بعد أن كبر الأولاد ولم تعد أمهم قادرة عليهم. وحاولوا معي كثيراً أن أغير رأيي بل إنني بعد أن جئت للسودان أرسلوا لي خطاباً يطلب مني العودة وكنت قد قررت وضع حد لمسيرتي مع الاغتراب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية